إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

{ وَإِذِ اعتزلتموهم } أي فارقتموهم في الاعتقاد أو أردتم الاعتزالَ الجُسمانيَّ { وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله } عطفٌ على الضمير المنصوبِ وما موصولةٌ أو مصدريةٌ ، أي إذِ اعتزلتموهم ومعبودِيهم إلا الله أو وعبادتَهم إلا عبادةَ الله وعلى التقديرين فالاستثناءُ متصلٌ على تقدير كونِهم مشركين كأهل مكةَ ، ومنقطعٌ على تقدير تمحضهم في عبادة الأوثان ، ويجوز كونُ ما نافيةً على أنه إخبارٌ من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترضٌ بين إذْ وجوابِه { فَأْوُواْ } أي التجِئوا { إِلَى الكهف } قال الفراء : هو جوابُ إذ ، كما تقول : إذْ فعلتَ فافعل كذا ، وقيل : هو دليلٌ على جوابه أي إذ اعتزلتموهم اعتزالاً اعتقادياً فاعتزلوهم اعتزالاً جُسمانياً ، أو إذا أردتم اعتزالَهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف { يَنْشُرْ لَكُمْ } يبسُطْ لكم ويوسِّعْ عليكم { رَبُّكُمْ } مالكُ أمرِكم { مّن رَّحْمَتِهِ } في الدارين { وَيُهَيّئ لَكُمْ } يسهلْ لكم { مّنْ أَمْرِكُمْ } الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين { مّرْفَقًا } ما ترتفقون وتنتفعون به ، وقرئ بفتح الميم وكسر الفاء مصدراً كالمرِجع ، وتقديمُ لكم في الموضعين لما مر مراراً من الإيذان من أول الأمر بكون المؤخر من منافعهم والتشويقِ إلى وروده .