معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ} (61)

قوله تعالى : بما كنتم تعملون وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً } يعني : الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ، وهو جمع حافظ ، نظيره { وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين } [ الانفطار :11 ] .

قوله تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته } ، قرأ حمزة " توفاه " و " استهواه " بالياء ، وأمالهما .

قوله تعالى : { رسلنا } يعني : أعوان ملك الموت يقبضونه ، فيدفعونه إلى ملك الموت ، فيقبض روحه ، كما قال : { قل يتوفاكم ملك الموت } ، وقيل الأعوان يتوفونه بأمر ملك الموت ، فكأن ملك الموت توفاه لأنهم يصدرون عن أمره ، وقيل : أراد بالرسل ملك الموت وحده ، فذكر الواحد بلفظ الجمع ، وجاء في الأخبار : أن الله تعالى جعل الدنيا بين يدي ملك الموت كالمائدة الصغيرة ، فيقبض من هاهنا ومن هاهنا ، فإذا كثرت الأرواح يدعوا الأرواح فتجيب له .

قوله تعالى : { وهم لا يفرطون }‌ ، لا يقصرون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ} (61)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وَهُوَ القاهِرُ : والله الغالب خلقه العالي عليهم بقدرته ، لا المقهور من أوثانهم وأصنامهم المذلل المغلوب عليه لذلته . وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً وهي ملائكته الذين يتعاقبونكم ليلاً ونهارا ، يحفظون أعمالكم ويحصونها ، ولا يفرّطون في حفظ ذلك وإحصائه ولا يضيعون .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ويُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً قال : هي المعقبات من الملائكة ، يحفظونه ويحفظون عمله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حتى إذَا جاءَ أحَدَكُمْ المَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ يقول : حفظة يا ابن آدم يحفظون عليك عملك ورزقك وأجلك إذا توفيت ذلك قبضت إلى ربك . حتى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطونَ . يقول تعالى ذكره : إن ربكم يحفظكم برسل يعقب بينها يرسلهم إليكم بحفظكم ، وبحفظ أعمالكم إلى أن يحضركم الموت وينزل بكم أمر الله ، فإذا جاء ذلك أحدكم توفاه أملاكنا الموكلون بقبض الأرواح ورسلنا المرسلون به وهم لا يفرّطون في ذلك فيضيعونه .

فإن قال قائل : أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت ، فكيف قيل : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا والرسل جملة وهو واحد ؟ أو ليس قد قال : قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ ؟ قيل : جائز أن يكون الله تعالى أعان ملك الموت بأعوان من عنده ، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت ، فيكون «التوفّي » مضافا ، وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت ، إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره كما يضاف قَتْل من قَتَل أعوانُ السلطان وجلد من جلدوه بأمر السلطان إلى السلطان ، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه ولا وَلِيَه بيده . وقد تأول ذلك كذلك جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، في قوله : حتى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : كان ابن عباس يقول : لملك الموت أعوان من الملائكة .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن عبيد الله ، في قوله : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : سئل ابن عباس عنها ، فقال : إن لملك الموت أعوانا من الملائكة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : سفيان ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم في قوله : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : أعوان ملك الموت .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : الرسل توفي الأنفس ، ويذهب بها ملك الموت .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا حفص ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، عن ابن عباس : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : الرسل توفي الأنفس ، ويذهب بها ملك الموت .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا حفص ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن ابن عباس : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : أعوان ملك الموت من الملائكة .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال : هم الملائكة أعوان ملك الموت .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال : إن ملك الموت له رسل فيرسل ويرفع ذلك إليه . وقال الكلبي : إن ملك الموت هو يلي ذلك ، فيدفعه إن كان مؤمنا إلى ملائكة الرحمة ، وإن كان كافرا إلى ملائكة العذاب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال : يلي قبضها الرسل ، ثم يدفعونها إلى ملك الموت .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال : يتوفاه الرسل ، ثم يقبض منهم ملك الموت الأنفس . قال الثوري : وأخبرني الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، قال : هم أعوان لملك الموت . قال الثوري : وأخبرني رجل عن مجاهد ، قال : جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء ، وجعلت له أعوان يتوفون الأنفس ثم يقبضها منهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، عن ابن عباس ، في قوله : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال : أعوان ملك الموت من الملائكة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، قال : الملائكة أعوان ملك الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا قال : يتوفونه ، ثم يدفعونه إلى ملك الموت .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، قال : سألت الربيع بن أنس ، عن ملك الموت ، أهو وحده الذي يقبض الأرواح ؟ قال : هو الذي يلي أمر الأرواح ، وله أعوان على ذلك ، ألا تسمع إلى قول الله تعالى : حتى إذَا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفّوْنَهُمْ وقال : تَوَفّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ غير أن ملك الموت هو الذي يسير كلّ خطو منه من المشرق إلى المغرب . قلت : أين تكون أرواح المؤمنين ؟ قال : عند السدرة في الجنة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن مجاهد ، قال : ما من أهل بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطيف بهم كلّ يوم مرّتين .

وقد بينا أن معنى التفريط : التضييع ، فيما مضى قبل . وكذلك تأوّله المتأوّلون في هذا الموضع .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ يقول : لا يضيعون .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَهُمْ لا يُفَرّطُونَ قال : لا يضيعون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ} (61)

{ القاهر } إن أخذ صفة فعل ، أي مظهر القهر بالصواعق والرياح والعذاب فيصح أن يجعل { فوق } ظرفية للجهة لأن هذه الأشياء إنما تعاهدها العباد من فوقهم ، وإن أخذ { القاهر } صفة ذات بمعنى القدرة والاستيلاء ف { فوق } لا يجوز أن تكون للجهة ، وإنما هي لعلو القدر والشأن على حد ما تقول : الياقوت فوق الحديد ، { ويرسل عليكم } معناه يبثهم فيكم ، و { حفظة } جمع حافظ مثل كاتب وكتبة ، والمراد بذلك الملائكة الموكلون بكتب الأعمال ، وروي أنهم الملائكة الذين قال فيهم النبي عليه السلام «تتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار »{[4946]} وقاله السدي وقتادة ، وقال بعض المفسرين { حفظة } يحفظون الإنسان من كل شيء حتى يأتي أجله ، والأول أظهر ، وكلهم غير حمزة قرأ «توفيه رسلنا » على تأنيث لفظ الجمع . كقوله عز وجل : { ولقد كذبت رسل من قبلك }{[4947]} وقرأ حمزة «توفاه رسلنا » وحجته أن التأنيث غير حقيقي ، وظاهر الفعل أنه ماضٍ كقوله تعالى : { وقال نسوة }{[4948]} ويحتمل أن يكون بمعنى تتوفاه فتكون العلامة مؤنثة ، وأمال حمزة من حيث خط المصحف بغير ألف فكأنها إنما كتبت على الإمالة ، وقرأ الأعمش «يتوفيه رسلنا » بزيادة ياء في أوله والتذكير ، وقوله تعالى : { رسلنا } يريد به على ما ذكر ابن عباس وجميع أهل التأويل ملائكة مقترنين بملك الموت يعاونونه ويأتمرون له ، وقرأ جمهور الناس «لا يفرّطون » بالتشديد ، وقرأ الأعرج «يفرطون » بالتخفيف ، ومعناه يجاوزون الحد مما أمروا به ، قال أبو الفتح : فكما أن المعنى في قراءة العامة لا يقصرون فكذلك هو في هذه لا يزيدون على ما أمروا به ، ورجح اللفظ في قوله { ردوا } من الخطاب إلى الغيبة .


[4946]:- روى البخاري هذا البيت عن أبي هريرة، ولفظه: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم- وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون). (فتح الباري 2/33) باب فضل صلاة العصر من كتاب "مواقيت الصلاة".
[4947]:- من الآية (34) من سورة (الأنعام).
[4948]:- من الآية (30) من سورة (يوسف).