غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ} (61)

61

التفسير : من الدلائل الدالة على كمال قدرته وحكمته قوله { وهو القاهر فوق عباده } والمراد منه الفوقية بالقدرة والتسخير كما يقال : أمر فلان فوق أمر فلان أي أنه أعلى وأنفذ منه ، ولا ريب أن الممكنات بأسرها تحت تصرف الواجب ينقلها من حيز العدم إلى حالة الوجود وبالعكس ، ويتصرف فيها كيف يشاء ، علويات كن أو سفليات ، ذوات أو صفات ، نفوساً أو أبداناً ، أخلاطاً وأركاناً . ومن جملة قهره إرسال الحفظة - وهي جمع حافظ - على عبيده بضبط أعمالهم من الطاعات والمعاصي والمباحات لأنهم مطلعون على أقوال بني آدم لقوله { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ ق : 18 ] وعلى أفعالهم بقوله { يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار : 12 ] وأما صفات القلوب كالجهل والعلم فليس في الآيات ما يدل على اطلاعهم عليها . وعن ابن عباس أن مع كل إنسان ملكين : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ، فإذا تكلم الإنسان بحسنة كتبها من على اليمين ، وإذا تكلم بسيئة قال من على اليمين لمن على اليسار : انتظر لعله يتوب عنها فإن لم يتوب عنها فإن لم يتب كتب عليه . قالت العلماء : من فوائد هذه الكتبة أن المكلف إذا علم أن الملائكة الموكلين عليه يكتبون أعماله في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف القيامة كان ذلك زجراً له عن القبائح . ومنها أن توزن تلك الصحائف يوم القيامة فإن وزن الأعمال غير ممكن . ومنها التعبد فعلى المكلف أن يؤمن بكل ما ورد به الشرع وإن لم يعرف وجه الحكمة في بعض ذلك . وقال بعض الحكماء : الحفظة النفوس والقوى الجسمانية التي تحفظ الأركان مع طبائعها المتضادة على امتزاجها . وقال بعض القدماء : منهم النفوس البشرية والأرواح السفلية مختلفة بجواهرها متباينة بماهياتها ، فبعضها خيرة وبعضها شريرة ، وكذا القول في الذكاء والبلادة والحرية والنذالة والشرف والخساسة ، ولكل طائفة من هذه الأرواح السفلية روح سماوي هو لها كالأب المشفق والسيد الرحيم يعينها على مهماتها في يقظتها ومنامها على سبيل الرؤيا تارة ، وعلى سبيل الإلهامات أخرى . فالأرواح الخيرة لها مبادٍ من عالم الأفلاك وكذا الأرواح الشريرة وتلك المبادئ في مصطلحهم تسمى بالطباع التام لأن تلك الأرواح في تلك الطبائع والأخلاق تامة كلها وهذه الأرواح السفلية المتولدة منها أضعف منها لأن المعلول في كل باب أضعف من علته ، لأصحاب الطلسمات والعزائم في هذا الباب كلام كثير . وقيل : إن النفوس المفارقة تميل إلى ما يناسبها ويساويها في الطبيعة والماهية من النفوس المتعلقة بالأبدان فتحفظها وتعينها { حتى إذا جاء أحدكم الموت } أي وقته أو أماراته { توفته رسلنا } أي بإذننا وتفويضنا فالمتوفى بالحقيقة هو الله تعالى كما قال الله { يتوفى الأنفس حين موتها } [ الزمر : 42 ] . وهؤلاء الرسل أتباع ملك الموت في قوله { يتوفاكم ملك الموت } [ السجدة : 11 ] وهل هم الحفظة بأعيانهم أم غيرهم فيه قولان : أشهرهما الثاني لكون ملائكة الروح والريحان وهم الريحانيون غير ملائكة الكرب والأحزان وهم الكروبيون . وعن مجاهد : جعلت الأرض مثل الطست لملك الموت يتناول من يتناوله ، وما من أهل بيت إلا ويطوف عليهم في كل يوم مرتين . { وهم لا يفرطون } لا يقصرون فيما أمرهم الله تعالى به وفيه مدح لهم بالعصمة .

/خ73