الآية 61 وقوله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة } فيه جميع ما يحتاج أهل التوحيد [ إليه ]{[7175]} لأنه أخبر أنه قاهر لخلقه ، وهم مقهورون . ومن البعيد أن يشبه القاهر المقهور بشيء ، أو يشبه المقهور القاهر بوجه ، أو يكون شريك القاهر في معنى ، لأنه لو كان شيء من ذلك لم يكن قاهرا من جميع الوجوه ، ولا كان الخلق مقهورا في الوجوه كلها . فإذا كان الله قاهرا بذاته الخلق كله كانت آثار قهره فيهم ظاهرة وأعلام سلطانه فيهم بادية على تعاليه عن الأشباه والأضداد وأنه كما وصف { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] .
وقوله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } يكون على وجهين :
أحدهما : { وهو القاهر } وهو { فوق عباده } .
والثاني : على التقديم والتأخير ؛ وهو فوق عباده القاهر . ويحتمل قوله : { فوق عباده } بالنصر لهم والمعونة والدفع عنهم كقوله : { يد الله فوق أيديهم } أي بالنصر والمعونة والعظمة والرفعة والجلال ونفاذ السلطان والربوبية .
وقوله تعالى : { ويرسل عليكم حفظة } [ يحتمل وجهين :
أحدهما ]{[7176]} : أخبر أنه القاهر فوق عباده وأنه أرسل عليهم الحفظة ليعلموا أن إرسال الحفظة عليهم لا لحاجة له ؛ لم يكن قاهرا لأن من وقعت له حاجة صار مقهورا تحت قهر آخر . فالله تعالى أن تمسه حاجة ، أو يصيبه [ مثل ما يصيب الخلق ، بل وإنما أرسلهم عليهم لحاجة الخلق ]{[7177]} إما امتحانا منه للحفظة على محافظة أعمال العباد والكتابة عليهم من غير أن تقع له في ذلك حاجة ، يمتحنهم بذلك . {[7178]} ولله أن يمتحن عباده بما شاء من أنواع المحن ، وإن أكرمهم ، ووصفهم بالطاعة في الأحوال كلها بقوله تعالى : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [ التحريم : 6 ] وغير ذلك من الآيات .
والثاني : [ يرسل الحفظة ]{[7179]} عليهم بمحافظة أعمالهم والكتاب عليهم ليكونوا على حذر في ذلك ؛ [ وذلك ]{[7180]} في الزجر أبلغ وأكثر [ نظرا ]{[7181]} لأن من علم أن عليه رقيبا في عمله وفعله كان أحذر في ذلك [ العمل وانظر ]{[7182]} فيه وأحفظ له ممن لم يكن عليه ذلك ، وإن كان يعلم كل مسلم أن الله عالم الغيب ، لا يخفى عليه شيء ، عالم بما كان منهم ، وبما يكون أن يكون ، ومتى يكون ؟
ثم اختلف في الحفظة ههنا : قال بعضهم : هم الذين قال الله تعالى { وإن عليكم لحافظين } { كراما كاتبين } { يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار : 10 و 11 و 12 ] يكتبون أعمالهم ، ويحفظون عليهم . وقال آخرون : هم الذين يحفظون أنفاس الخلق . ويعدون عليهم إلى وقت انقضائها وفنائها ، ثم تقبض منه الروح ، ويموت .
ألا ترى أنه قال على إثره : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } ؟ دل على أن الحفظة ههنا هم الذين سلطوا على حفظ الأنفاس والعد عليهم إلى وقت الموت ، والله أعلم .
ثم في قوله تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا } دلالة خلق أفعال العباد ؛ لأنه ذكر مجيء الموت وتوفي الرسل ، وقال : خلق الموت والحياة ، ومجيء الموت هو بتوفي الرسل{[7183]} ، ثم أخبر أنه خلق الموت . دل أنه خلق توفيهم{[7184]} .
فاحتال بعض المعتزلة في هذا ، وقال : إن الملك هو الذي ينزع الروح ، ويجمعه في موضع ، ثم إن الله يتلفه ، ويهلكه . فلأن كان ما قال فإذن لا يموت بتوفي الرسل أبدا ؛ لأنهم إذا نزعوا ، وجمعوا في موضع ، تزداد حياة الموضع الذي جمعوا فيه ، لأنه اجتمع كل روح النفس في ذلك . فإن لم يكن ، دل أن ذلك خبال . والوجه فيه ما ذكرنا من الدلالة ، وهو ظاهر بحمد الله ؛ يعرفه كل عاقل ، يتأمل فيه ، ولم يعاند{[7185]} ، وبالله التوفيق .
ثم اختلف في قوله تعالى : { توفته رسلنا } قال بعضهم : هو ملك الموت وحده ، وإن خرج الكلام مخرج العموم بقوله : { رسلنا } والمراد منه الخصوص : ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } [ السجدة : 11 ] أخبر أنه الموكل والمسلط على ذلك ؟
وقال آخرون : يتوفاه أعوان ملك [ الموت ]{[7186]} ، ثم يقبضه ملك الموت ، ويتوفاه . وقال قائلون : يكون معه ملائكة تقبض الأنفاس ، ويتوفاه ملك الموت . لكن ذلك لا يدرى{[7187]} أن كيف هو ؟ وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة ، ولكن إلى معرفة ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { وهم لا يفرطون } فيه إخبار عن شدة طاعة الملائكة ربهم ، وأن الرأفة لا تأخذهم في ما فيه تأخير أمر الله وتفريطه ، لأن من دخل على من في النزع أخذته من الرأفة ما لو ملك حياته لبذل له . فأخبر عز وجل أنهم { لا يفرطون } في ما أمروا ، ولا يؤخرونه لتعظيمهم أمر الله وشدة طاعتهم له .
وعلى ذلك وصفهم : { غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } /150-ب/ [ التحريم : 6 ] وقال عز وجل : { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } [ الأنبياء : 27 ] وقال : { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [ الأنبياء : 19 و 20 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.