قوله تعالى : " وهو القاهر فوق عباده " يعني فوقية المكانة والرتبة لا فوقية المكان والجهة . " ويرسل عليكم حفظة " أي من الملائكة . والإرسال حقيقته إطلاق الشيء بما حمل من الرسالة ، فإرسال الملائكة بما حملوا من الحفظ الذي أمروا به ، كما قال : " وإن عليكم لحافظين{[6428]} " [ الانفطار : 10 ] أي ملائكة تحفظ أعمال العباد وتحفظهم من الآفات . والحفظة جمع حافظ ، مثل الكتبة والكاتب . ويقال : إنهما ملكان بالليل وملكان بالنهار ، يكتب أحدهما الخير والآخر الشر ، إذا مشى الإنسان يكون أحدهما بين يديه والآخر وراءه ، وإذا جلس يكون أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ؛ لقوله تعالى : " عن اليمين وعن الشمال قعيد{[6429]} " [ ق : 17 ] الآية{[6430]} . ويقال : لكل إنسان خمسة من الملائكة : اثنان بالليل ، واثنان بالنهار ، والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا . والله أعلم . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه{[6431]} :
ومن الناس من يعيش شَقِيًّا{[6432]} *** جاهلَ القلب غافلَ اليقظه
فإذا كان ذا وفاء ورأي *** حذر الموت واتقى الحفظه
إنما الناس راحل ومقيم *** فالذي بانَ للمقيم عِظَه
قوله تعالى : " حتى إذا جاء أحدكم الموت " يريد أسبابه ، كما تقدم في سورة ( البقرة ){[6433]} . " توفته رسلنا " على تأنيث الجماعة ، كما قال : " ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات{[6434]} " [ المائدة : 32 ] و " كذبت رسل{[6435]} " [ فاطر : 4 ] . وقرأ حمزة " توفاه رسلنا " على تذكير الجمع . وقرأ الأعمش " تتوفاه رسلنا " بزيادة تاء والتذكير . والمراد أعوان ملك الموت . قاله ابن عباس وغيره . ويروى أنهم يسلون الروح من الجسد حتى إذا كان عند قبضها قبضها ملك الموت . وقال الكلبي : يقبض ملك الموت الروح من الجسد ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا أو إلى ملائكة العذاب إن كان كافرا . ويقال : معه سبعة من ملائكة الرحمة وسبعة من ملائكة العذاب ، فإذا قبض نفسا مؤمنة دفعها إلى ملائكة الرحمة فيبشرونها بالثواب ويصعدون بها إلى السماء ، إذا قبض نفسا كافرة دفعها إلى ملائكة العذاب فيبشرونها بالعذاب ويفزعونها ، ثم يصعدون بها إلى السماء ثم ترد إلى سجين ، وروح المؤمن إلى عليين . والتوفي تارة يضاف إلى ملك الموت ، كما قال : " قل يتوفاكم ملك الموت{[6436]} " [ السجدة : 11 ] وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك ، كما في هذه الآية وغيرها . وتارة إلى الله وهو المتوفي على الحقيقة ، كما قال : " الله يتوفى الأنفس حين موتها{[6437]} " [ الزمر : 42 ] " قل الله يحييكم ثم يميتكم{[6438]} " [ الجاثية : 26 ] " الذي خلق الموت والحياة{[6439]} " [ الملك : 2 ] فكل مأمور من الملائكة فإنما يفعل ما أمر به . " وهم لا يفرطون " أي لا يضيعون ولا يقصرون ، أي يطيعون أمر الله . وأصله من التقدم ، كما تقدم . فمعنى فرط قدم العجز . وقال أبو عبيدة : لا يتوانون . وقرأ عبيد بن عمير " لا يفرطون " بالتخفيف ، أي لا يجاوزون الحد فيما أمروا به الإكرام والإهانة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.