النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ} (61)

قوله عز وجل : { وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه أعلى قهراً ، فلذلك قال : { فَوْقَ عِبَادِهِ } .

والثاني : أن الأقدر إذا استحق صفة المبالغة عبَّر عنه بمثل هذه العبارة ، فقيل : هو فوقه في القدرة أي أقدر ، وفوقه في العلم أي أعلم .

{ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً } فيه وجهان :

أحدهما : أنه جوارحهم التي تشهد عليهم بما كانوا يعملون .

والثاني : الملائكة . ويحتمل { حَفَظَةً } وجهين :

أحدهما : حفظ النفوس من الآفات .

والثاني : حفظ الأعمال من خير وشر ، ليكون العلم بإتيانها أزجر عن الشر ، وأبعث على الخير .

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ } يعني أسباب الموت ، بانقضاء الأجل .

فإن قيل : المتولِّي لقبض الروح مَلَك الموت ، وقد بين ذلك بقوله تعالى :

{ قُل يَتَوَفَّاكُم ملَك المَوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم }

[ السجدة : 11 ] فكيف قال : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } والرسل جمع ؟

قيل : لأن الله أعان مَلَك الموت بأعوان من عنده يتولون ذلك بأمره ، فصار التوفِّي من فعل أعوانه ، وهو مضاف إليه لمكان أمره ، كما يضاف إلى السلطان فعل أعوانه من قتل ، أو جلد ، إذا كان عن أمره .

{ وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : لا يؤخرون .

الثاني : لا يُضَيِّعُونَ ، قاله ابن عباس .