معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

قوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً } أي : لولا أن يصيروا كلهم كفاراً فيجتمعون على الكفر ، { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة } قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، وأبو عمرو : { سقفاً } بفتح السين وسكون القاف على الواحد ، ومعناه الجمع ، كقوله تعالى : { فخر عليهم السقف من فوقهم } ( النحل-26 ) ، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع ، وهي جمع سقف مثل : رهن ورهن ، قال أبو عبيدة : ولا ثالث لهما . وقيل : هو جمع سقيف . وقيل : جمع سقوف جمع الجمع . { ومعارج } مصاعد ودرعاً من فضة ، { عليها يظهرون } يعلون ويرتقون ، يقال : ظهرت على السطح إذا علوته .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً لّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرّحْمََنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَلَوْلا أن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً : جماعة واحدة .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه ، لو فعل ما قال جلّ ثناؤه ، وما به لم يفعله من أجله ، فقال بعضهم : ذلك اجتماعهم على الكفر . وقال : معنى الكلام : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر ، فيصيرَ جميعهم كفارا لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرّحمَنِ لبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِنْ فِضّةٍ ذكر من قال ذلك .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً يقول الله سبحانه : لولا أن أجعل الناس كلهم كفارا ، لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال : لولا أن يكون الناس كفارا أجمعون ، يميلون إلى الدنيا ، لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال ، ثم قال : والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها ، وما فعل ذلك ، فكيف لو فعله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً : أي كفارا كلهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال : لولا أن يكون الناس كفارا .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً يقول : كفارا على دين واحد .

وقال آخرون : اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الاَخرة . وقال : معنى الكلام : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال : لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم ، لجعلنا هذا لأهل الكفر .

وقوله : لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرّحْمَن لِبُيُوتِهِمْ سُقْفا مِنْ فِضّةٍ يقول تعالى ذكره : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن في الدنيا سقفا ، يعني أعالي بيوتهم ، وهي السطوح فضة . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِبُيُوتهِمْ سُقُفا مِنْ فِضّةٍ السُقُف : أعلى البيوت .

واختلف أهل العربية في تكرير اللام التي في قوله : لِمَنْ يَكْفُرُ ، وفي قوله : لِبُيُوتهِمْ ، فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : إن شئت جعلتها في لِبُيُوتهِمْ مكرّرة ، كما في يَسْئَلُونَكَ عَن الشّهْرِ الحَرَام قِتالٍ فِيهِ ، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين ، كأن الثانية في معنى على ، كأنه قال : جعلنا لهم على بيوتهم سقفا . قال : وتقول العرب للرجل في وجهه : جعلت لك لقومك الأعطية : أي جعلته من أجلك لهم .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : «سَقْفا » فقرأته عامة قرّاء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين سَقْفا بفتح السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله : فَخَرّ عَلَيْهِمُ السّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع . وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة سُقُفا بضم السين والقاف ، ووجّهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف . وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع ، لأن السقوف : جمع سَقْف ، ثم تجمع السقوف سُقُفا ، فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه فرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ بضم الراء والهاء ، وهي الجمع ، واحدها رهان ورهون ، وواحد الرهون والرهان : رَهْن . وكذلك قراءة من قرأ كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ بضم الثاء والميم ، ونظير قول الراجز :

*** حتى إذَا ابْتَلّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ ***

وقد زعم بعضهم أن السّقُف بضم السين والقاف جمع سَقْف ، والرّهُن بضم الراء والهاء جمع رَهْن ، فأغفل وجه الصواب في ذلك ، وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعا على فُعُل ، فيجعل السّقُف والرّهُن مثله .

والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، معروفتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ يقول : ومراقي ودَرَجا عليها يصعدون ، فيظهرون على السقف والمعارج : هي الدرج نفسها ، كما قال المثنى بن جندل :

*** يا رَبّ البَيْتِ ذي المَعارِج ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَمَعارِجَ قال : معارج من فضة ، وهي درج .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ : أي دَرجا عليها يصعدون .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال : المعارج : المراقي .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَمَعَارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال : دُرُج عليها يُرفعون .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن ابن عباس قوله : وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال : درج عليها يصعدون إلى الغرف .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال : المعارج : درج من فضة .