الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

قوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } – إلى قوله – { فبيس القرين }[ 32-37 ] ، أي : ولولا أن يكون الناس كلهم ( كفارا ){[61452]} لجعل الله لبيوت{[61453]} من يكفر سقفا من فضة ، ولكن لم يفعل ذلك ليكون في الخلق مؤمنون وكافرون على ما تقدم في علم الله عز وجل وتقديره فيهم .

وقيل : المعنى : لولا أن يميل الناس كلهم إلى طلب الدنيا ورفض الآخرة{[61454]} لجعل الله لبيت الكافر سقفا من فضة{[61455]} ، ومن وحد السقف فعلى{[61456]} إرادة الجمع{[61457]} .

يدل الواحد على الجمع كما نقول : زيد كثير ( الدرهم{[61458]} والدينار ) وكثير{[61459]} الشاة{[61460]} والبعير . فيرد{[61461]} الواحد على{[61462]} الجنس كله .

وقيل : المعنى عند من وحد : لجعلنا لبيت كل من كفر{[61463]} بالرحمن سقفا{[61464]} ، فوحد على المعنى .

وقيل : المعنى : لولا ما قدرنا{[61465]} من اختلاف الأرزاق في الناس فيكون في المؤمنين غني وفقير{[61466]} ، وفي الكافرين مثل ذلك لجعلنا من يكفر بالرحمن أغنياء كلهم .

ففي هذا الفعل{[61467]} تنبيه على تحقير الدنيا وتصغير ما{[61468]} فيها .

ومن قرأ بالجمع فإنه حمل على اللفظ{[61469]} ، فجمع السقف لجمع البيوت ، وجمع السرر{[61470]} والأبواب ، وهو جمع سقيفة ، كقطيفة وقُطُف .

وقيل : هو جمع الجمع ، كأنه جمع ( سقْفا ) على ( سُقُوف ) . كفَلس وفُلُوس ، ثم جمع سقوفا على سُقُف كحمار وحُمُر{[61471]} .

وقال أبو عبيدة : ( سُقُف جمع كرُهُن ورَهْن{[61472]} ، ورُهُن عند أكثر النحويين إنما هو جمع رِهَان ، ورهان جمع رَهْن فرُهُن أيضا ، جمعُ جمعٍ .

وجعل{[61473]} الله السقوف للبيوت كما جعل الأبواب للبيوت .

فهو يدل على أن السقف لا حق لرب العلو فيه ، وهو قول مالك وأصحابه{[61474]} .

وتحقيق المعنى في الآية أن الله جل ذكره أراد تهوين أمر الدنيا وأنها لا قيمة لها ، فقال : لولا أن يميل الناس كلهم إلى الدنيا ويتركوا الآخرة لأعطينا الكافر من الدنيا أفضل مراده ، وذلك لهوان الدنيا عليه ، إذ هي{[61475]} شيء زائل مضمحل{[61476]} .

وقال الكسائي : معناها لولا إرادتنا أن يكون في الكفار غني وفقير ، وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا أن نجعل سقوف بيوتهم من فضة وذلك لهوان الدنيا عند الله{[61477]} ، وقال الفراء : لبيوتهم : على بيوتهم{[61478]} .

قال الشعبي : سُقُفا من فضة ، أي{[61479]} : جذوعا . ومعارج ، أي : دُرُجا{[61480]} من فضة . عليها يظهرون ، أي : يصعدون على السُّقُفِ والغُرَفِ{[61481]} .

وقال{[61482]} ابن زيد وغيره{[61483]} : المعارج : درج{[61484]} من فضة{[61485]} .


[61452]:(ت) و(ح): كفار. ولعل الصواب ما أثبتناه في المتن لأنه خبر كان منصوب.
[61453]:(ح): (بيوت).
[61454]:(ح): (ورفض بذلك اختيار الدنيا على الدين قاله ابن زيد الآخرة).
[61455]:انظر جامع البيان 25/42.
[61456]:(ت): فعل.
[61457]:قرأ سقفا بفتح السين وسكون القاف ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر وشبل وحميد، على التوحيد. انظر الكشف 2/258، وحجة القراءات 649، وإعراب النحاس 4/107، والسبعة 585، وسراج القرائ 348، وغيث النفع 348، والهداية في وجوه القراءات (وجه 134) والهدية المرضية (وجه 10)، وكتاب ابن القاضي في القراءات (وجه 376).
[61458]:(ت): الدراهم والدنانير.
[61459]:(ح): وكثيره.
[61460]:(ت): الشياه.
[61461]:(ت): فيود في.
[61462]:(ت): عن.
[61463]:(ح): يكفر.
[61464]:قاله اسماعيل بن إسحاق، انظر إعراب النحاس 4/108.
[61465]:(ح): (قدرناه).
[61466]:(ت): (وفقيرا).
[61467]:(ح): الفصل.
[61468]:(ح): (لما).
[61469]:قرأ (سقفا) بضم السين والقاف على الجمع: نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي، انظر الكشف 2/258، وحجة القراءات 649، والسبعة 585، وسراج القارئ 348، وغيث النفع 343.
[61470]:منطمس في (ت).
[61471]:قاله علي بن سليمان. انظر إعراب النحاس 4/108.
[61472]:انظر مجاز أبي عبيدة 2/203. ونسب هذا القول في إعرابه إلى أبي عبيد 4/108.
[61473]:في طرة (ت).
[61474]:انظر أحكام العلو والسفل في المذهب المالكي بشيء من التفصيل في أحكام ابن العربي 4/1682، وجامع القرطبي 16/86. وعقب ابن عطية في المحرر الوجيز على القول بدلالة هذا الآية على أن السقف لرب البيت الاسفل لا لصاحب العلو بقوله: (وهذا تفقه واهن) 4/255.
[61475]:(ح): هو.
[61476]:ومما يدل على هوان الدنيا عند الله تعالى ما أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب 10 ج 9/197 (عن مسهر بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء). وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه. وصحح الألباني هذا الحديث بعدما أورده بطرق متعددة في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/305 ح 286.
[61477]:انظر جامع القرطبي 16/84.
[61478]:انظر معاني الفراء 3/31، وإعراب النحاس 4/107.
[61479]:ساقط من (ت).
[61480]:(ح): ذورجا.
[61481]:انظر الدر المنثور 7/376.
[61482]:(ت): (قال).
[61483]:في طرة (ت).
[61484]:(ت): درجة.
[61485]:قاله ابن زيد وابن عباس. انظر جامع البيان 25/42، وتفسير ابن كثير 4/128. ونسبه ابن كثير أيضا إلى قتادة والسدي ومجاهد.