فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

ثم بيّن سبحانه حقارة الدنيا عنده ، فقال : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة } أي لولا أن يجتمعوا على الكفر ميلاً إلى الدنيا وزخرفها { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ } جمع الضمير في بيوتهم ، وأفرده في يكفر باعتبار معنى من ولفظها ، ولبيوتهم بدل اشتمال من الموصول ، والسقف جمع سقف . قرأ الجمهور بضمّ السين ، والقاف كَرَهْن ورُهُن . قال أبو عبيدة : ولا ثالث لهما . وقال الفراء : هو جمع سقيف نحو كثيب وكثب ، ورغيف ورغف ، وقيل : هو جمع سقوف ، فيكون جمعاً للجمع . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين ، وإسكان القاف على الإفراد ، ومعناه الجمع لكونه للجنس . قال الحسن معنى الآية : لولا أن يكفر الناس جميعاً بسبب ميلهم إلى الدنيا ، وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه ، لهوان الدنيا عند الله ، وقال بهذا أكثر المفسرين . وقال ابن زيد : لولا أن يكون الناس أمة واحدة في طلب الدنيا ، واختيارهم لها على الآخرة . وقال الكسائي : المعنى لولا أن يكون في الكفار غنيّ وفقير ، وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها { وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } المعارج : الدرج جمع معراج ، والمعراج السلم . قال الأخفش : إن شئت جعلت الواحدة مَعْرَج ومِعْرَج مثل : مَرْقاة ، ومِرْقاة ، والمعنى : فجعلنا لهم معارج من فضة عليها يظهرون ، أي : على المعارج يرتقون ، ويصعدون ، يقال ظهرت على البيت أي علوت سطحه ، ومنه قول النابغة :

بلغنا السماء مجداً وفخراً وسؤددا *** وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

أي : مصعداً .

/خ35