نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

ولما دلت صريح آية التمتيع وتلويح ما بعدها أن البسط في الرزق الموجب للعلو مع أنه خسيس المنزلة ناقص المقدار مقتض للخروج عن السواء ، وكان التقدير : فنحن نخص بهذا الخير للأفراد في الأدوار الآحاد من الأبرار لنستنقذ بهم من شئنا من الضلال ونعطي الحطام للعتاة الطغام الأرذال ابتلاء للعباد ليبين لهم أهل البغي من أهل الرشاد ، ولولا ما اقتضته حكمتنا بترتيب هذا الوجود على الأسباب من المفاوتة بين الناس لقيام الوجود لساوينا بينهم ، وعطف : عليه قوله مذكراً بلطفه بالمؤمنين وبره لهم برفعه ما يقضتي لهم شديد المجاهدة وعظيم المصابرة والمكابدة لحال تزل فيه الأقدام عن سنن الهدى من الميل والإصغاء إلى مظان الغنى والملك وتمام المكنة والعظمة : { ولولا أن يكون الناس } أي أهل التمتع بالأموال بما فيهم من الاضطراب والأنس بأنفسهم { أمة واحدة } أي في الضلال بالكفر لاعتقادهم أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه لحبهم الدنيا وجعلها محط أنظارها وهممهم إلا من عصم الله { لجعلنا } أي في كل زمان وكل مكان بما لنا من العظمة التي لم يقدر أحد على معارضتها لحقارة الدنيا عندنا وبغضنا لها { لمن يكفر } وقوله : { بالرحمن } أي العام الرحمة دليل على حقارة الدنيا من جهة إعطائها للمبعد الممقوت ، وعلى أن صفة الرحمة مقتضية لتناهي بسط النعم على الكافر لولا العلة التي ذكرها سبحانه من الرفق بالمؤمنين .

ولما كان تزيين الظرف دائماً بحسب زينة المظروف ، دل على ما لهم من ملابسهم ومراكبهم وغير ذلك من أمورهم بزينة المنازل ، فقال مبدلاً من { لمن } بدل الاشتمال لأن سوقه على طريق الإبدال أروع : { لبيوتهم } أي التي ينزلونها { سقفاً } أي هذا الجنس في قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالموحدة بدليل قراءة الباقين بضمتين جمعاً { من فضة } كأنه خصها لإفادتها النور { ومعارج } أي من فضة ، وهي المصاعد من الدرج لأن المشي عليها مثل مشي الأعرج { عليها يظهرون } أي يعلون ويرتقون على ظهورها إلى المعالي