الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

ثم استمرَّ القولُ في تحقيرها بقوله سبحانه : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة } الآية ؛ وذلك أَنَّ معنى الآية أَنَّ اللَّه سبحانه أبقى على عباده ، وأنعم عليهم بمراعاة بقاء الخير والإيمان ، وشاء حفظه على طائفة منهم بَقِيَّةَ الدهر ، ولولا كراهيةُ أنْ يكونَ الناسُ كُفَّاراً كُلُّهم ، وأَهْلَ حُبٍّ في الدنيا وتجرُّدٍ لها لوسَّعَ اللَّه على الكفار غايةَ التوسعة ، ومَكَّنَهم من الدنيا ؛ وذلك لحقارتها عنده سبحانه ، وأنها لا قَدْرَ لها ولا وزنَ ؛ لفنائها وذَهَابِ رسومها ، فقوله : { أُمَّةً وَاحِدَةً } معناه في الكُفْرِ ؛ قاله ابن عباس وغيره ، ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سقى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ " . وروى ابن المبارك في «رقائقه » بسنده عن عَلْقَمَةَ عن عبد اللَّه قال : اضطجع رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الحَصِيرُ في جَنْبِهِ ، فَلَمَّا استيقظ ، جَعَلْتُ أَمْسَحُ عَنْهُ ، وَأَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ آذَنْتَنِي قَبْلَ أَنْ تَنَامَ على هَذَا الحَصِيرِ ، فَأَبْسُطَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقِيكَ مِنْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا لِيَ ولِلدُّنْيَا ، وَمَا لِلدُّنْيَا وَمَا لِي مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إلاَّ كَرَاكِبٍ استظل في فَيْءِ أَوْ ظِلِّ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " انتهى ، وقد خَرَّجه التِّرمذيُّ ، وقال : حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، و{ سُقُفاً } جمع سَقْف ، والمعارج : الأدراج التي يُطْلَعُ عليها ؛ قاله ابن عباس وغيره ، و{ يَظْهَرُونَ } معناه : يعلون ؛ ومنه حديث عائشةَ ( رضي اللَّه عنها ) والشمس في حجرتها لم تظهر بعد .