معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

قوله تعالى : { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } . أي ما سنها .

قوله تعالى : { قال } . موسى .

قوله تعالى : { إنه يقول } . يعني فسأل الله تعالى فقال : إنه يعني أن الله تعالى يقول .

قوله تعالى : { إنها بقرة لا فارض ولا بكر } . أي لا كبيرة ولا صغيرة ، والفارض المسنة التي لا تلد ، يقال منه : فرضت تفرض فروضاً ، والبكر الفتية الصغيرة التي لم تلد قط ، وحذفت الهاء منهما للاختصاص بالإناث كالحائض .

قوله تعالى : { عوان } . وسط نصف .

قوله تعالى : { بين ذلك } . أي بين السنين يقال عونت المرأة تعويناً : إذا زادت على الثلاثين ، قال الأخفش : العون التي نتجت مراراً وجمعها عون .

قوله تعالى : { فافعلوا ما تؤمرون } . من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

هذا وما أرشدهم إليه نبيهم - عليه السلام - كان كافياً لحملهم على أن يذبحوا أي بقرة تنفيذاً لأمر ربهم ، ولكن طبيعتهم الملتوية المعقدة لم تفارقهم ، فأخذوا يسألون كما أخبر القرآن عنهم بقوله : { ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } ؟

أي : قال بنو إسرائيل لموسى اطلب لنا من ربك أن يبين لنا حالها وصفاتها . وسبب سؤالهم عن صفتها ، تعجبهم من بقرة مذبوحة بأيديهم ، يضرب ببعضها ميت لتعود إليه الحياة ، وكأنهم - لقلة فهمهم - قد توقعوا أن البقرة التي يكون لها أثر في معرفة قاتل القتيل ، لا بد أن تكون لها صفة متميزة عن سائر جنسها .

وسؤالهم بهذه الطريقة يوحى بسوء أدبهم مع الله - تعالى - ومع نبيهم موسى - عليه السلام - لأنهم قالوا { ادع لَنَا رَبَّكَ } فكأنما هو رب موسى وحده ، لا ربهم كذلك ، وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعني موسى وربه ومع هذا فقد أجابهم إجابة المربى الحكيم للأنباع السفهاء الذين ابتلى بهم فقال : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ } .

أي : قال لهم موسى بعد أن أخبره الله بصفتها : إنه - تعالى - يقول : إن البقرة التي آمركم بذبحها لا مسنة ولا صغيرة ، بل نصف بينهما ، فاتركوا الإِلحاح في الأسئلة ، وسارعوا إلى امتثال ما أمرتم به .

وقد أكد - سبحانه - جملة { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ } تنزيلا لهم منزلة المنكرين لتعنتهم في السؤال ومحاولتهم التنصل مما أمروا به .

ولم يقل القرآن الكريم من أول الأمر : إنها بقرة عوان بل جاء بالوصفين السابقين { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } للتعريض بغباوتهم ، والتلميح بعدم فهمهم للأساليب الموجزة ، لذا لجأ في جوابهم إلى تكنير التوصيف حتى لا يعودوا إلى تكرار الأسئلة .

وقوله تعالى : { فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ } يقصد به قطع العذر مع الحض على الطاعة والامتثال .

وما موصولة ، والعائد محذوف بعد حذف جاره ، على طريقة التوسع ، أي : إذا كان الأمر كذلك ، فبادروا إلى تنفيذ ما تؤمرون به ، لتصلوا إلى معرفة القاتل الحقيقي بأيسر طريق ، ولا تضيقوا على أنفسكم ما وسعه الله لكم ، ولا تكثروا من المراجعة ، فإنها ليست في مصلحتكم .

/خ74

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ( 68 )

هذا تعنت منهم وقلة طواعية ، ولو امتثلوا الأمر فاستعرضوا( {[764]} ) بقرة فذبحوها لقضوا ما أمروا به ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم ، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما . ولغة بني عامر «ادعِ »( {[765]} ) بكسر العين ، و { ما } استفهام رفع بالابتداء ، وهي خبره ، ورفع { فارض } على النعت للبقرة على مذهب الأخفش ، أو على خبر ابتداء مضمر تقديره لا هي فارض ، والفارض المسنة الهرمة التي لا تلد ، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم ، تقول فرضت( {[766]} ) تفرض بفتح العين في الماضي ، فروضاً ، ويقال فرضت بضم العين ، ويقال لكل ما قدم وطال أمده فارض ، وقال الشاعر( {[767]} ) [ العجاج ] : [ الرجز ]

يا رب ذي ضغن عليَّ فارض . . . له قروء كقروء الحائض

والبكر من البقر التي لم تلد من الصغر ، وحكى ابن قتيبة أنها التي ولدت ولداً واحداً ، والبكر من النساء التي لم يمسها الرجل ، والبكر من الأولاد الأول ، ومن الحاجيات الأولى ، والعوان التي قد ولدت مرة بعد مرة ، قاله مجاهد ، وحكاه أهل اللغة ، ومنه قول العرب : العوان لا تعلم الخمرة( {[768]} ) . وحرب عوان : قد قوتل فيها مرتين فما زاد( {[769]} ) ، ورفعت { عوان } على خبر ابتداء مضمر ، تقديره هي عوان ، وجمعها عون بسكون الواو ، وسمع عون بتحريكها بالضم( {[770]} ) .

و { بين }( {[771]} ) ، بابها أن تضاف إلى اثنتين ، وأضيفت هنا إلى { ذلك } ، إذ ذلك يشار به إلى المجملات ، فذلك عند سيبويه نازل منزلة ما ذكرت( {[772]} ) ، فهي إشارة إلى مفرد( {[773]} ) على بابه ، وقد ذكر اثنان فجاءت أيضاً { بين } على بابها .

وقوله : { فافعلوا ما تؤمرون } تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت ، فما تركوه .


[764]:- أي من دون بحث، ومن دون سؤال.
[765]:- تقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى (فادع لنا ربك) الآية.
[766]:- يقال: فرضت البقرة إذا أسنت، والماضي بفتح العين وضمها، والمضارع بكسرها وضمها.
[767]:- أي الراجز وهو العجاج، والبيت أنشده "الجاحظ" في "الحيوان"، و"ابن منظور"في "اللسان" عن الأعرابي- وقوله: له قروء، أي أوقات تهيج فيها عداوته، ويقال: رجع لقرئه أي لوقته، وقوله: فارض أي قديم.
[768]:- العوان المرأة التي تزوجت مرة بعد مرة فهي تعرف كيف تختمر، وهو مثل يضرب للمجرب العارف.
[769]:- كأنهم جعلوا الأول بكرا، والحرب العوان هي أشد الحروب، لأن القتال يتكرر فيها ويشتد ويتصاعد.
[770]:- التحريك أصل، والسكون تخفيف، وحكى أبو الحسن الأخفش عن عيسى بن عمر: أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان: التخفيف، والتثقيل نحو: العُسر واليُسر والهُزء، ومما يقوي هذه الحكاية أن ما كان من المجموع على فُعُل نحو كُتُب ورُسُل ففيه الوجهان حتى جاء ذلك في المعتل العين الواوي نحو عون.
[771]:- (بين) ظرف مبهم لا يتبين معناه إلا بإضافته إلى اثنين فصاعدا، أو ما يقوم مقام ذلك كقوله تعالى: "عون بين ذلك".
[772]:- وفي بعض النسخ ما ذكر.
[773]:- أي: في اللفظ والصورة، وأما في المعنى فهو عبارة عن المذكور، والمذكور اثنان فكلمة (بين) لم تخرج من بابها وهو الإضافة إلى اثنين فأكثر، و(ذلك) قائم مقام الاثنين هنا.