معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

قوله تعالى :{ إن شانئك } عدوك ومبغضك ، { هو الأبتر } هو الأقل الأذل المنقطع دابره . نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد ، وهو يدخل ، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا ، وأناس من صناديد قريش جلوس في المساجد ، فلما دخل العاص قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه ؟ قال : ذلك الأبتر ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها . وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعوه فإنه رجل أبتر ، لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السورة . وقال عكرمة عن ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش ، وذلك أنه لما قدم كعب مكة قالت له قريش : نحن أهل السقاية والسدانة ، وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه ؟ فقال : بل أنتم خير منه ، فنزلت : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت }( النساء- 51 ) . الآية ، ونزل في الذين قالوا : إنه أبتر : { إن شانئك هو الأبتر } أي المنقطع من كل خير .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

ثم بشره - سبحانه - ببشارة أخرى فقال : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر } والشانئ : هو المبغض لغيره ، يقال : شَنَأَ فلان شَنْئاً ، إذا أبغضه وكرهه .

والأبتر فى الأصل : هو الحيوان المقطوع الذنب ، والمراد به هنا : الإِنسان الذى لا يبقى له ذكر . ولا يدوم له أثر .

شبه بقاء الذكر الحسن بذنب الحيوان ؛ لأنه تابع له وهو زينته ، وشبه الحرمان من ذلك ببتر الذي وقطعه .

والمعنى : إن مبغضك وكارهك - أيها الرسول الكريم - هو المقطوع عن كل خير ، والمحروم من كل ذكر حسن .

قال الإِمام ابن كثير : " كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله - تعالى - هذه السورة " .

وقال السدى : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا : بتر ، فلما مات أبناء النبى صلى الله عليه وسلم قالوا : بتر محمد ، فأنزل الله هذه الآية .

وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره ، وحاشا وكلا ؛ بل أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد . . .

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

وقوله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } أي : إن مبغضك - يا محمد - ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين ، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكْرُه .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة : نزلت في العاص بن وائل .

وقال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره . فأنزل الله هذه السورة .

وقال شَمِر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي مُعَيط .

وقال ابن عباس أيضا ، وعكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش .

وقال البزار : حدثنا زياد بن يحيى الحَسَّاني ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت سيدهم ، ألا ترى إلى هذا المُصَنْبر{[30636]} المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ؟ فقال : أنتم خير منه . قال : فنزلت : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ }

هكذا رواه البزار{[30637]} وهو إسناد صحيح .

وعن{[30638]} عطاء : نزلت في أبي لهب ، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال : بُتِرَ محمد الليلة . فأنزل الله في ذلك : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ }

وعن ابن عباس : نزلت في أبي جهل . وعنه : { إِنَّ شَانِئَكَ } يعني : عدوك . وهذا يَعُمُّ جميعَ من اتصفَ بذلك ممن ذكر ، وغيرهم .

وقال عكرمة : الأبتر : الفرد . وقال السُّدِّي : كانوا إذا مات ذكورُ الرجل قالوا : بُتر . فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : بتر محمد . فأنزل الله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ }

وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره ، وحاشا وكلا ؛ بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد{[30639]} صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد .

آخر تفسير سورة " الكوثر " ، ولله الحمد والمنة .


[30636]:- (4) في م: "هذا الضبر".
[30637]:- (5) مسند البزار برقم (2293) "كشف الأستار" ووقع فيه: "حدثنا الحسن بن علي الواسطي، حدثنا يحيى بن راشد، عن داود فذكر مثله، ورواه أيضا النسائي في السنن الكبرى برقم (11707).
[30638]:- (6) في م: "وقال".
[30639]:- (1) في م: "والتناد".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

وقوله تعالى : { إن شانئك هو الأبتر } رد على مقالة كان كثير من سفهاء قريش يقولها لما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد ، فكانوا يقولون : هو أبتر يموت فنستريح منه ، ويموت أمره بموته ، فقال الله تعالى وقوله الحق : { إن شانئك هو الأبتر } ، أي المقطوع المبتور من رحمة الله تعالى ، ولو كان له بنون فهم غير نافعيه ، «والشانىء » : المبغض ، وقال قتادة { الأبتر } هنا يراد به الحقير الذليل ، وقال عكرمة : مات ابن للنبي صلى الله عليه وسلم فخرج أبو جهل يقول : بتر محمد ، فنزلت السورة ، وقال ابن عباس : نزلت في العاص بن وائل سمى النبي صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه عبد الله أبتر .