قال عامة أهل التفسير كابن عباس ومقاتل والكلبي : إن العاص بن وائل وجمعاً من صناديد قريش يقولون : إن محمداً أبتر ، لا ابن له يقوم مقامه بعده ، فإذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه . وكان قد مات ابنه عبد الله ابن خديجة ، فأنزل الله تعالى هذه السورة كما مر في أول " المائدة " ، والشنء البغض ، والشانئ المبغض ، والبتر في اللغة استئصال القطع ، ومنه الأبتر : المقطوع الذنب ، فاستعير للذي لا عقب له ، ولمن انقطع خبره وذكره ، فبين الله تعالى بهذه الصيغة المفيدة للحصر أن أولئك الكفرة هم الذين ينقطع نسلهم وذكرهم ، وأن نسل محمد صلى الله عليه وسلم ثابت باق إلى يوم القيامة ، كما أخبر بقوله " كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي " ، وإن دين الإسلام لا يزال يعلو ويزيد والكفر يعلى ويقهر إلى أن يبلغ الدين مشارق الأرض ومغاربهما ، كما قال { أو لم يروا إنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } [ الرعد :41 ] قال بعض أهل العلم : إن الكفار لما شتموه بأنه أبتر أجاب الله عنه من غير واسطة فقال { إن شانئك هو الأبتر } ، وهكذا سنة الأحباب إذا سمعوا من يشتم حبيبهم ، تولوا بأنفسهم جوابه ، ونظيره في القرآن كثير { قالوا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم } [ سبأ :7 ] إلى قوله { أم به جنة } [ سبأ :8 ] ، فقال سبحانه { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } [ سبأ :8 ] ، وقالوا : هو مجنون ، فأقسم الله { ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم :1 ، 2 ] ، وقالوا : لست مرسلاً ، فقال { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم } [ يس : ا ، 3 ] { وقالوا أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون } [ الصافات :36 ] فرد عليهم بقوله { بل جاء بالحق وصدق المرسلين } [ الصافات :36 ] ، ثم ذكر وعيد خصمائه بقوله { إنكم لذائقوا العذاب الأليم } [ الصافات :38 ] ، وحين قال حاكياً : { أم يقولون شاعر }[ الطور :30 ] قال { وما علمناه الشعر } [ يس :69 ] ، وقالوا : { إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون }[ الفرقان :4 ] فأجابهم بقوله : { فقد جاؤا ظلماً وزوراًً } [ الفرقان :4 ] { وقالوا أساطير الأولين } [ الفرقان :5 ، 6 ] فقال :{ قل أنزله الذي يعلم السر } [ الفرقان :5 ، 6 ] . { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق }[ الفرقان :7 ] فأجابهم بقوله : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق }[ الفرقان :20 ] . فما أجل هذه الكرامة ! وقال أهل التحقيق السالكون : بل الواصلون لهم ثلاث درجات : أعلاها أن يكونوا مستغرقين بقلوبهم وأرواحهم في نور جلال الله ، وأشار إليهما بقوله { إنا أعطيناك الكوثر } ، فإن روحه القدسية متميزة في الكثرة عن سائر الأرواح البشرية بالكم ؛ لأنها أكثر مقدمات ، وبالكيف ؛ لأنها أسرع انتقالاً من المقدمات إلى النتائج . وأوسطها أن يكونوا مشتغلين بالطاعات والعبادات البدنية ، وأشار إليها بقوله { فصل لربك } ، وأدناها أن يكونوا في مقام منع النفس عن الانتصاب إلى اللذات العاجلة ، وهي قوله { وانحر } ، فإن منع النفس الشهوية جارية مجرى الذبح والنحر . ومن البيان أن ترتيب السالك هو الأخذ من الأدون إلى الأعلى ، وإنما ورد القرآن بما ورد تنبيهاً على أنه صلى الله عليه وسلم كان في نهاية الوصول . وأن هذا الترتيب بالنسبة إليه ينعكس ، وذلك أنه جاء من الحق إلى الخلق . ثم أشار بقوله { إن شانئك هو الأبتر } إلى أن دواعي النفس التي هي أعدى الأعداء لا بقاء لها ، وإنما هي لذات زائلة ، وتخيلات فانية ، { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً } [ الكهف :46 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.