جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

وقوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } يعني بقوله جلّ ثناؤه : { نّ شانِئَكَ } إن مُبغضَك يا محمد وعدوّك { هُوَ الأبْتَرُ } يعني بالأبتر : الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره ، الذي لا عَقِبَ له .

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك ، فقال بعضهم : عُنِي به العاص بن وائل السهميّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } يقول : عدوّك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : هو العاص بن وائل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن هلال بن خباب ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقول : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : هو العاص بن وائل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن هلال ، قال : سألت سعيد بن جُبَير ، عن قوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : عدوّك العاص بن وائل انبتر من قومه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : العاص بن وائل ، قال : أنا شانىء محمد ، ومن شنأه الناس فهو الأبتر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : هو العاص بن وائل ، قال : أنا شانىءٌ محمدا ، وهو أبتر ، ليس له عَقِبٌ ، قال الله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال قتادة : الأبتر : الحقير الدقيق الذليل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } هذا العاص بن وائل ، بلغنا أنه قال : أنا شانىء محمد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : الرجل يقول : إنما محمد أبتر ، ليس له كما ترون عَقِبٌ ، قال الله : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : عُقْبة بن أبي مُعَيط . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُميّ ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : كان عقبة بن أبي معيط يقول : إنه لا يبقى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولد ، وهو أبتر ، فأنزل الله فيه هؤلاء الآيات : { إنّ شانِئَكَ } عُقبة بن أبي مُعَيط { هُوَ الأبْتَرُ } .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك جماعة من قريش . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، في هذه الآية : { أَلَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ويَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } قال : نزلت في كعب بن الأشرف ، أتى مكة فقال له أهلُها : نحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر من قومه ، ونحن أهل الحجيج ، وعندنا مَنْحَر البُدْنِ ، قال : أنتم خير . فأنزل الله فيه هذه الآية ، وأنزل في الذين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما قالوا : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن بدر بن عثمان ، عن عكرِمة { إنّ شانِئِكَ هُوَ الأبْتَرُ } . قال : لمّا أُوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت قريش : بَتِرَ محمد منا ، فنزلت : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : الذي رماك بالبَتَرِ هو الأبتر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، قال : أنبأنا داود بن أبي هند ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس قال : لما قَدِم كعب بن الأشرف مكة أتوْه ، فقالوا له : نحن أهل السّقاية والسّدانة ، وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا الصّنْبور المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ؟ قال : بل أنتم خير منه ، فنزلت عليه : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } قال : وأُنزلت عليه : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الْكِتابِ } . . . إلى قوله : نَصِيرا .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقلّ الأذلّ ، المنقطع عقبه ، فذلك صفة كلّ من أبغضه من الناس ، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه .