فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ} (3)

{ إن شانئك هو الأبتر } أي مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم ، فيعم خيري الدنيا والآخرة ، أو الذي لا عقب له ، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته .

وظاهر الآية العموم ، وإن هذا شأن كل من يبغض النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل كما سيأتي ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر غير مرة .

قيل : كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا : قد بتر فلان ، فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد ، فنزلت الآية ، وقيل : القائل بذلك عقبة بن أبي معيط .

قال أهل اللغة : الأبتر من الرجال الذي لا ولد له ، ومن الدواب الذي لا ذنب له ، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر ، وأصل البتر القطع ، يقال : بترت الشيء بترا قطعته ، وفي المختار : بتره قطعه قبل التمام ، وبابه نصر ، والانبتار : الانقطاع ، والأبتر : المقطوع الذنب ، وبابه طرب .

وعن ابن عباس قال : " قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ، ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السقاية ، وأهل السدانة ، قال : أنتم خير منه ، فنزلت { إن شانئك هو الأبتر } ، ونزلت { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله فلن تجد له نصيرا } " أخرجه البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه ، قال ابن كثير : وإسناده صحيح .

وعن أبي أيوب قال : " لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا : إن هذا الصابئ قد بتر الليلة ، فأنزل الله { إنا أعطيناك الكوثر } إلى آخر السورة أخرجه الطبراني وابن مردويه .

وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : " كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القاسم ، ثم زينب ، ثم عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، رضي الله تعالى عنهم ، فمات القاسم وهو أول ميت من أهله وولده بمكة ، ثم مات عبد الله ، فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع نسله ، فهو أبتر ، فأنزل الله { إن شانئك هو الأبتر } " وفي إسناده الكلبي ، وعنه قال : هو أبو جهل ، وعنه قال : يقول عدوك ، وقيل : ولد القاسم ، ثم زينب ، ثم عبد الله . قال الكلبي : ولدت زينب ، ثم القاسم ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، ثم عبد الله ، وكان يقال له : الطيب والطاهر ، قال : وهذا هو الصحيح ، وغيره تخليط .