قوله تعالى : { ولئن أصابكم فضل من الله } ، فتح وغنيمة .
قوله تعالى : { ليقولن } هذا المنافق ، وفيه تقديم وتأخير ، وقوله : ( كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ) متصل بقوله { فإن أصابتكم مصيبة } تقديره : فإن أصابتكم مصيبة قال : قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً .
قوله تعالى : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } أي : معرفة . قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب { تكن } بالتاء ، والباقون بالياء ، أي : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن .
قوله تعالى : { يا ليتني كنت معهم } . في تلك الغزاة .
قوله تعالى : { فأفوز فوزاً عظيماً } ، أي : آخذ نصيباً وافراً من الغنيمة ، وقوله { فأفوز } نصب على جواب التمني بالفاء ، كما تقول : وددت أن أقوم فيتبعني الناس .
أما إذا كانت الدولة للمؤمنين ، وظفروا بالغنائم ، فهنا يتمنى المنافقون أن لو كانوا معم لينالوا بعض هذه الغنائم ، واستمع إلى القرآن وهو يحكى عنهم ذلك فيقول : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } .
أى : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ } يا معشر المؤمنين { فَضْلٌ مِنَ الله } كفتح وغنيمة ونصر وظفر { لَيَقُولَنَّ } هذا المنافق على سبيل الندامة والحسرة والتهالك على حطام الدنيا ، حالة كونه { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } ليقولن : { ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ } عندما خرجوا للجهاد { فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } بأن أحصل كما حصلوا على الغنائم الكثيرة .
وهذا - كما يقول ابن جرير - خبر من الله - تعالى - ذكره عن هؤلاء المنافقين ، أن شهودهم الحرب مع المسلمين - إن شهدوها - إنما هو لطلب الغنيمة وإن تخالفوا عنها فللشك الذى فى قلوبهم ، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا ، ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا .
وفى نسبة الفضل إلى الله فى قوله { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } دون إصابة المصيبة تعليم لحسن الأدب مع الله - تعالى - وإن كان سبحانه - هو الخالق لكل شئ ، فهو الذى يمنح الفضل لمن يشاء وهو الذى يمنعه عمن يشاء .
وقوله { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } جملة معترضة بين فعل القول الذى هو { لَيَقُولَنَّ } وبين المقول الذى هو { ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ } .
وقد جئ بها على سبيل التهكم والسخرية والتعجب من حال المنافقين ، لأنهم كان فى إمكانهم أن يخرجوا مع المؤمنين للقتال ، وأن ينالوا نصيبهم من الغنائم التى حصل عليها المؤمنون ، ولكنهم لم يخرجوا لسوء نواياهم ، فلما أظهروا التحسر لعدم الخروج بعد أن رأوا الغنائم فى أيدى المؤمنين كان تحسرهم فى غير موضعه ؛ لأن الذى يتحسر على فوات شئ عادة هو من لا علم له به أو بأسبابه ، أما المنافقون فبسبب مخالطتهم وصحبتهم للمؤمنين كانوا على علم بقتال المؤمنين لأعدائهم ، وكان فى إمكانهم أن يخرجوا معهم .
فكأن الله تعالى يقول للمؤمنين : انظروا وتعجبوا من شأن هؤلاء المنافقين إنهم عندما أصابتكم مصيبة فرحوا ، وعندما انتصرتم وأصبتم الغنائم تحسروا وتمنوا أن لو كانوا معكم حتى لكأنهم لا علم لهم بالقتال الذى دار بينكم وبين أعدائكم ، وحتى لكأنهم لا مخالطة ولا صحبة بينكم وبينهم مع أن علمهم بالقتال حاصل ، ومخالطتهم لكم حاصلة فلم يتحسرون ؟ إن قولهم : { ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } ليدعوا إلى التعجب من أحوالهم ، والتحقير لسلوكهم ، والدعوة عليهم بأن يزدادوا حسرة على حسرتهم .
وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد أمرت المؤمنين بحسن الاستعداد للقاء أعدائهم فى كل وقت ، وكشفت لهم عن رذائل المنافقين الذين إذا أصابت المؤمنين مصيبة فرحوا لها ، وإذا أصابهم فضل من الله تحسروا وحزنوا ، وفى هذا الكشف فضيحة للمنافقين ، وتحذير للمؤمنين من شرورهم .
{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ } أي : نصر وظفر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه مَوَدَّةٌ }{[7892]} أي : كأنه ليس من أهل دينكم { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } أي : بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه . وهو أكبر قصده وغاية مراده .
وقوله تعالى : { ولئن أصابكم فضل من الله } الآية ، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله ، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة ، وقال : { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً } متمنياً شيئاً قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده ، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذراً واضحاً ، وأمراً لا قدرة له معه ، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير ، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة ، ويعاهد على التزام كلف الإسلام ، ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله ، ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين ، فعلى هذا يجيء قوله تعالى : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } التفاتة بليغة ، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم .
وحكى الطبري عن قتادة وابن جريج ، أنهما كانا يتأولان قول المنافق { يا ليتني كنت معهم } على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغيبة ، وقرأ الحسن { ليقولُن } بضم اللام على معنى «من » وضم اللام لتدل على الواو المحذوفة ، ويدل مجموع هاتين الآيتين على أن خارج المنافقين إنما كان يقصد الغنيمة ، ومتخلفهم إنما كان يقصد الشك وتربص الدوائر بالمؤمنين و { كأن } مضمنة معنى التشبيه ، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر وإنما تجيء بعدها الجمل{[4148]} ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص «تكن » بتاء ، وقرأ غيرهما «يكن » بياء ، وذلك حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل ، وقوله : { فأفوز } نصب بالفاء في جواب التمني ، وقرأ الحسن ويزيد النحوي { فأفوز } بالرفع على القطع والاستئناف ، التقدير : فأنا أفوز : قال روح : لم يجعل ل «ليت » جواباً ، وقال الزجّاج : إن قوله : { كأن لم يكن بينكم وبينه مودة } مؤخر . وإنما موضعه فإن أصابتكم مصيبة .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.