معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

قوله عز وجل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } روى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن ناسا من أهل الشرك ، كانوا قتلوا ، وأكثروا ، وزنوا ، وأكثروا ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن الذي تدعونا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة ، فنزلت هذه الآية . وقال عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك ، وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق آثاماً ، يضاعف له العذاب ، وأنا قد فعلت ذلك كله ؟ فأنزل { إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً } ( مريم-60 ) فقال وحشي : هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه ، فهل غيره ؟ فأنزل الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء-48 ) فقال وحشي : أراني بعد في شبهة فلا أدري يغفر لي أم لا ؟ فأنزل الله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } فقال وحشي : نعم ، هذا فجاء وأسلم ، فقال المسلمون : هذا له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال : بل للمسلمين عامة . وروي عن ابن عمر قال : نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، ونفر من المسلمين ، كانوا قد أسلموا ، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول : لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً . قوم أسلموا ، ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فكتبها عمر بن الخطاب بيده ، ثم بعث بها إلى عياش بن ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وإلى أولئك النفر ، فأسلموا وهاجروا . وروى مقاتل بن حيان ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أو نقول ليس بشيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } ( محمد-33 ) فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا : الكبائر والفواحش ، قال : فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها ، قلنا : قد هلك ، فنزلت هذه الآية ، فكففنا عن القول في ذلك ، فكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئاً رجونا وأراد بالإسراف ارتكاب الكبائر . وروي عن ابن مسعود : أنه دخل المسجد فإذا قاص يقص ، وهو يذكر النار ، والأغلال ، فقام على رأسه فقال : يا مذكر لم تقنط الناس ؟ ثم قرأ :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } .

أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أنبأنا أبو محمد عبد بن أحمد الحموي ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد الله بن حميد ، حدثنا حيان بن هلال ، وسليمان بن حرب ، وحجاج بن منهال ، قالوا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } ولا يبالي " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن عدي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً ، ثم خرج يسأل فأتى راهباً فسأله ، هل لي من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله فكمل به المائة ، فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا ، فأدركه الموت ، فنأى بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ، فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تقربي ، وأوحى إلى هذه أن تباعدي ، وقال : قيسوا ما بينهما ، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له " . ورواه مسلم بن الحجاج ، عن محمد بن المثنى العنبري ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة بهذا الإسناد ، وقال : " فدل على راهب فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفساً ، فهل له من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله ، وكمل به مائة ، ثم سئل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة ؟ فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن به أناساً يعبدون الله ، فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأتاهم ملك في صورة آدمي ، فجعلوه بينهم حكما ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال رجل - لم يعمل خيراً قط - لأهله إذا مات فحرقوه ، ثم اذروا نصفه في البر ، ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين . قال : فلما مات فعلوا ما أمرهم ، فأمر الله البحر فجمع ما فيه ، وأمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال له : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب ، وأنت أعلم ، فغفر له " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا أبو الحسين محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عكرمة ، بن عمار ، حدثنا ضمضم بن حوشب ، قال : دخلت المدينة فناداني شيخ ، فقال : يا يماني تعال وما أعرفه ، فقال : لا تقولن لرجل والله لا يغفر الله لك أبداً ولا يدخلك الله الجنة ، قلت : ومن أنت يرحمك الله ؟ قال : أبو هريرة قال : فقلت : إن هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله ، إذا غضب ، أو لزوجته ، أو لخادمه ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد في العبادة ، والآخر كان مذنبا ، فجعل يقول له : أقصر عما أنت فيه ، قال : فيقول : خلني وربي ، قال : حتى وجده يوماً على ذنب استعظمه ، فقال : أقصر فقال : خلني وربي ، أبعثت علي رقيباً ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك أبداً ، ولا يدخلك الجنة أبداً ، قال : فبعث الله إليهما ملكاً يقبض أرواحهما فاجتمعا عنده ، فقال للمذنب : ادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال : لا يا رب ، فقال اذهبوا به إلى النار " . قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لقد تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته . قوله عز وجل : { إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } أخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر القفال ، أنبأنا أبو مسعود محمد بن أحمد بن يونس الخطيب ، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا أبو قلابة ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { إلا اللمم } ( النجم-32 ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن تغفر اللهم تغفر جما* وأي عبد لك لا ألما " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

ثم فتح - سبحانه - لعباده باب رحمته ، ونهاهم عن اليأس من مغفرته ، وأمرهم أن يتوبوا إليه تبوة صادقة نصوحا ، قبل أن يفاجئهم الموت والحساب ، فقال - تعالى - :

{ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ } روايات منها : ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال : لما اجتمعنا على الهجرة . تواعدت أنا وهشام بن العاص بن وائل السَّهْمى وعيَّاش بن أبى ربيعة بن عتبة ، فقلنا : الموعد أضَاةَ بنى غفار - أى : غدير بنى غفار - وقلنا : من تأخر منا فقد حبس فليمض صاحبه فأصبحت أنا وعياش بن عتبة ، وحبس عنا هشام ، وإذا به قد فُتِن فافتَتنَ ، فكنا نقول بالمدينة : هؤلاء قد عرفوا الله - عز وجل - وآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم افتتنوا لبلاء لحقهم لا نرى لهم توبة ، وكانوا هم - أيضاً - يقولون هذا فى أنفسهم . فأنزل الله - عز وجل - فى كتابه : { قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ . . } إلى قوله - تعالى - { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } قال عمر : فكتبتها بيدى ، ثم بعثتها إلى هشام . قال هشام : فلما قدمت على خرجت بها إلى ذى طوى فقلت : اللهم فهمنيها ، فعرفت أنها نزلت فينا ، فرجعت فجلست على بعيرى فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم .

والأمر فى قوله - تعالى - : { قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله } موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإضافة العباد إلى الله - تعالى - للتشريف والتكريم .

والإِسراف : تجاوز الحد فى كل شئ ، وأشهر ما يكون استعمالا فى الإِنفاق ، كما فى قوله - تعالى - : { يابني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا } والمراد بالإِسراف هنا : الإِسراف فى اقتراف المعاصى والسيئات ، والخطاب للمؤمنين المذنبين . وعدى الفعل " أسرفوا " بعلى ، لتضمنه معنى الجناية ، أى جنوا على أنفسهم .

والقُنُوط : اليأس ، وفعله من بابى ضرب وتعب . يقال : فلان قانط من الحصول على هذا الشئ ، أى يائس من ذلك ولا أمل له فى تحقيق ما يريده .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لعبادى المؤمنين الذين جنوا على أنفسهم باتكابهم للمعاصى ، قل لهم : لا تيأسوا من رحمة الله - تعالى - ومن مغفرته لكم .

وجملة { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } تعليلية . أى : لا تيأسوا من رحمة الله - تعالى - لأنه هو الذى تفضل بمحو الذنوب جميعها . لمن يشاء من عباده المؤمنين العصاة .

{ إِنَّهُ } - سبحانه - { هُوَ الغفور الرحيم } أى : هو الواسع المغفرة والرحمة لمن يشاء من عباده المؤمنين ، فهم إن تابوا من ذنوبهم قبل - سبحانه - توبتهم كما وعد تفضلا منه وكرما ، وإن ما توا دون أن يتوبوا ، فهم تحت رحمته ومشيئته ، إن شاء غفر لهم ، وإن شاء عذبهم ، ثم أدخلهم الجنة بفضله وكرمه .

أما غير المؤمنين ، فإنهم إن تابوا من كفرهم ودخلوا فى الإِسلام ، غفر - سبحانه - ما كان منهم قبل الإِسلام لأن الإِسلام يَجُبّ ما قبله .

وإن ماتوا على كفرهم فلن يغفر الله - تعالى - لهم ، لقوله : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ } قال الإِمام الشوكانى : واعلم أن هذه الآية أرجى آية فى كتاب الله ، لاشتمالها على أعظم بشارة ، فإنه أولا : أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم ، ومزيد تبشيرهم ، ثم وصفهم بالإسراف لى المعاصى . . ثم عقب على ذلك بالنهى عن القنوط من الرحمة . . ثم جاء بما لا يبقى بعده شك ولا يتخالج القلب عند سماعه ظن فقال : { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب . . } فالألف واللام قد صيرت الجمع الذى دخلت عليه للجنس الذى يستلزم استغراق أفراده ، فهو فى قوة إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان ، إلا ما أخرجه النص القرآنى وهو الشرك .

ثم لم يكتف بما أخبر به عباده من مغفرة كل ذنب ، بل أكد ذلك بقوله { جميعا } فيالها من بشارة ترتاح لها النفوس . . وما أحسن تعليل هذا الكلام بقوله : { إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم . . } .

وقال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : وفى هذه الآية من أنواع المعانى والبيان أشياء حسنة ، منها إقباله عليهم ، ونداؤهم ، ومنها : إضافتهم إليه إضافة تشريف ، ومنها : الالتفات من التكلم إلى الغيبة ، فى قوله : { مِن رَّحْمَةِ الله } ، ومنها : إضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى ، ومنه : إعادة الظاهر بلفظه فى قوله : { إِنَّ الله يَغْفِرُ } ومنها : إبراز الجملة من قوله : { إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم } مؤكدة بإن ، والفصل ، وبإعادة الصفتين اللتين تضمنتهما الجملة السابقة .

وقال عبد الله بن مسعود وغيره : هذه أرجى آية فى كتاب الله تعالى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ؛ أن ابن جريج أخبرهم : قال يعلى : إن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس{[25181]} [ رضي الله عنهما ]{[25182]} ؛ أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا . فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة . فنزل : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ } [ الفرقان : 68 ] ، ونزل [ قوله ] {[25183]} : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } .

وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم المكي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به{[25184]} .

والمراد من الآية الأولى قوله : { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } الآية . [ الفرقان : 70 ] .

وقال{[25185]} الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو قبيل قال : سمعت أبا عبد الرحمن المري{[25186]} يقول : سمعت{[25187]} ثوبان - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } إلى آخر الآية ، فقال رجل : يا رسول الله ، فمن أشرك ؟ فسكت النبي{[25188]} صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ألا ومن أشرك " ثلاث مرات . تفرد به الإمام أحمد{[25189]} .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا سريج {[25190]} بن النعمان ، حدثنا روح بن قيس ، عن أشعث بن جابر الحداني ، عن مكحول ، عن{[25191]} عمرو بن عَبَسة{[25192]} قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، شيخ كبير يدعم على عصا له ، فقال : يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات ، فهل يغفر لي ؟ فقال : " ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟ " قال : بلى ، وأشهد أنك رسول الله . فقال : " قد غفر لك غدراتك وفجراتك " . تفرد به أحمد{[25193]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شهر بن حوشب{[25194]} ، عن أسماء بنت يزيد{[25195]} قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] وسمعته يقول : " { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } ولا يبالي { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

ورواه أبو داود والترمذي ، من حديث ثابت ، به {[25196]} .

فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد : أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة ، ولا يقنطن{[25197]} عبد من رحمة الله ، وإن عظمت ذنوبه وكثرت ؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع ، قال الله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [ التوبة : 104 ] ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [ النساء : 110 ] ، وقال تعالى في حق المنافقين : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ تَابُوا } [ النساء : 146 ، 145 ] ، وقال { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ المائدة : 73 ] ، ثم قال { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة : 74 ] ، وقال { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } [ البروج : 10 ] .

قال الحسن البصري : انظر{[25198]} إلى هذا الكرم والجود ، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة ! .

والآيات في هذا كثيرة جدا .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حديث الذي{[25199]} قتل تسعا{[25200]} وتسعين نفسا ، ثم ندم وسأل عابدا من عُبَّاد بني إسرائيل : هل له من توبة ؟ فقال : لا . فقتله وأكمل{[25201]} به مائة . ثم سأل عالما من علمائهم : هل له من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أمره بالذهاب إلى قرية يعبد الله فيها ، فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأمر الله أن يقيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيهما كان أقرب فهو منها . فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وذكر أنه نأى بصدره عند الموت ، وأن الله أمر البلدة الخيرة أن تقترب ، وأمر تلك البلدة أن تتباعد{[25202]} {[25203]} هذا معنى الحديث ، وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما{[25204]} [ في ]{[25205]} قوله : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } إلى آخر الآية ، قال : قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله ، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله ، ومن زعم أن عزيرا{[25206]} ابن الله ، ومن زعم أن الله فقير ، ومن زعم أن يد الله مغلولة ، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة ، يقول الله تعالى لهؤلاء : { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة : 74 ] ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء ، من قال : { أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى } [ النازعات : 24 ] ، وقال { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] . قال ابن عباس [ رضي الله عنهما ]{[25207]} من آيس عباد الله{[25208]} من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله ، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه .

وروى الطبراني من طريق الشعبي ، عن شُتَير بن شَكَل أنه قال : سمعت ابن مسعود يقول إن أعظم آية في كتاب الله : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] ، وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ } [ النحل : 90 ] ، وإن أكثر آية في القرآن فرجا في سورة الغرف : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } ، وإن أشد آية في كتاب الله تصريفا{[25209]} { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 3 ، 2 ] . فقال له مسروق : صدقت .

وقال الأعمش ، عن أبي سعيد ، عن أبي الكنود قال : مر عبد الله - يعني ابن مسعود - على قاص ، وهو يذكر الناس ، فقال : يا مذكر لم تُقَنِّط{[25210]} الناس ؟ ثم قرأ : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } رواه ابن أبي حاتم .

ذكر أحاديث فيها نفي القنوط :

قال{[25211]} الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان ، حدثنا أبو عبيدة عبد المؤمن بن عبيد الله {[25212]} ، حدثني أخشن السدوسي قال : دخلت على أنس بن مالك{[25213]} فقال{[25214]} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفسي بيده ، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ، ثم استغفرتم الله لغفر لكم ، والذي نفس محمد بيده ، لو لم تخطئوا{[25215]} لجاء الله بقوم يخطئون ، ثم يستغفرون الله فيغفر لهم " تفرد به [ الإمام ]{[25216]} أحمد{[25217]} . وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى{[25218]} حدثني ليث حدثني محمد بن قيس - قاص عمر بن عبد العزيز - عن أبي صِرْمة ، عن أبي أيوب الأنصاري ، رضي الله عنه ، أنه قال حين حضرته الوفاة : قد كنت كتمت منكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لولا أنكم تذنبون ، لخلق الله قوما يذنبون فيغفر لهم " .

هكذا{[25219]} رواه الإمام أحمد ، وأخرجه مسلم في صحيحه ، والترمذي جميعا ، عن قتيبة ، عن الليث بن سعد به {[25220]} . ورواه مسلم من وجه آخر به ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي صرمة - وهو الأنصاري صحابي - عن أبي أيوب به{[25221]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك الحراني ، حدثنا يحيى بن عمرو بن مالك النُّكري قال : سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس{[25222]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفارة الذنب{[25223]} الندامة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ، فيغفر لهم " تفرد به أحمد{[25224]} .

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثني عبد الأعلى بن حماد النَّرسِي ، حدثنا داود بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو عبد الله مسلمة الرازي ، عن أبي عمرو البجلي ، عن عبد الملك بن سفيان الثقفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن محمد بن الحنفية ، عن أبيه ، علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العبد المفتن التواب " . لم يخرجوه من هذا الوجه{[25225]} .

وقال{[25226]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت وحميد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : إن إبليس - عليه لعائن الله - قال : يا رب ، إنك أخرجتني من الجنة من أجل آدم ، وإني لا أستطيعه إلا بسلطانك . قال : فأنت مسلط . قال : يا رب ، زدني . قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله . قال : يا رب ، زدني . قال : أجعل صدورهم مساكن لكم ، وتجرون منهم مجرى الدم . قال : يا رب ، زدني . قال : أجلب عليهم بخيلك ورجلك ، وشاركهم في الأموال والأولاد ، وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا . فقال آدم [ عليه السلام ]{[25227]} يا رب ، قد سلطته علي ، وإني لا أمتنع [ منه ] {[25228]} إلا بك . قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء . قال : يا رب ، زدني . قال : الحسنة عشر أو أزيد ، والسيئة واحدة أو أمحوها . قال : يا رب ، زدني . قال : باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد . قال : يا رب ، زدني . قال : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .

وقال محمد بن إسحاق : قال نافع : عن عبد الله بن عمير ، عن عمر ، رضي الله عنه ، في حديثه قال : وكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة ، عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم . قال : وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم . قال : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أنزل الله فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } .

قال عمر ، رضي الله عنه : فكتبتها بيدي في صحيفة ، وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال : فقال هشام : لما أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوًى أصَعَّد بها فيه وأصوت ولا أفهمها ، حتى قلت : اللهم أفهمنيها . قال : فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا ، وفيما كنا نقول في أنفسنا ، ويقال فينا . فرجعت إلى بعيري فجلست عليه ، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة .


[25181]:- في ت: "روى البخاري بسنده عن ابن عباس".
[25182]:- زيادة من أ.
[25183]:- زيادة من ت ، س.
[25184]:- صحيح البخاري برقم (4810) وصحيح مسلم برقم (122) وسنن أبي داود برقم (7274) وسنن النسائي (7/86).
[25185]:- في ت: "وروى".
[25186]:- في أ: "السري".
[25187]:- في ت: "سمعت عن".
[25188]:- في ت: "رسول الله".
[25189]:- المسند (5/275).
[25190]:- في أ: "شريح".
[25191]:- في ت: "وعن".
[25192]:- في ت ، ا: "عنبسة".
[25193]:- المسند (4/385).
[25194]:- في ت: "وروى أيضا".
[25195]:- في أ: "يزيد رضي الله عنها".
[25196]:- المسند (6/454) وسنن أبي داود برقم (3982) وسنن الترمذي برقم (3237).
[25197]:- في ت: "ولا يقنط".
[25198]:- في ت: "انظروا".
[25199]:- في ت: "أن رجلا".
[25200]:- في أ: "تسعة".
[25201]:- في ت: "فأكمل".
[25202]:- في أ: "تبتعد".
[25203]:- رواه البخاري في صحيحه برقم (3470) ومسلم برقم (2766).
[25204]:- في س: "عنه".
[25205]:- زيادة من أ.
[25206]:- في ت: العزير."
[25207]:- زيادة من ت.
[25208]:- في أ: "العباد".
[25209]:- في ت ، س: "تفويضا".
[25210]:- في س: "يقنط".
[25211]:- في ت: "روى".
[25212]:- في أ: "عبيد الله السدوسي".
[25213]:- في ت: "عن ابن مالك" وفي أ: "أنس بن مالك رضي الله عنه".
[25214]:- في ت: "قال".
[25215]:- في ت: "تخطئون".
[25216]:- زيادة من أ.
[25217]:- المسند (3/238).
[25218]:- في أ: "إسحاق بن أبي عيسى".
[25219]:- في س: "كذا".
[25220]:- المسند (5/414) وصحيح مسلم برقم (2748) وسنن الترمذي برقم (3539).
[25221]:- صحيح مسلم برقم (2748).
[25222]:- في أ: "ابن عباس رضي الله عنهما".
[25223]:- في أ: "الذنوب".
[25224]:- المسند (1/289).
[25225]:- زوائد عبد الله على المسند (1/80).
[25226]:- في ت: "وروى".
[25227]:- زيادة من ت ، س ، أ.
[25228]:- زيادة من ت ، س ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي ، وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن . { لا تقنطوا من رحمة الله } لا تيأسوا من مغفرته أولا وتفضله ثانيا . { إن الله يغفر الذنوب جميعا } عفوا ولو بعد بعد ، تقييده بالتوبة خلاف الظاهر ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية ، والتعليل بقوله : { إنه هو الغفور الرحيم } على المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة ، وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في { عبادي } من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضيين للترحم ، وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم والنهي عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة ، وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب جميعا ، ووضع { اسم } موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجميع . وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " ما أحب أن تكون لي الدنيا وما فيها بها ، فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات " . وما روي أن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الوثن وقتل النفس بغير حق لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس فنزلت . وقيل في عياش والوليد بن الوليد في جماعة افتتنوا أو في الوحشي لا ينفي عمومها وكذا قوله : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } فإنها لا تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن التوبة والإخلاص في العمل وتنافي الوعيد بالعذاب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية؛ فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النفس التي حرّم الله، والله يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان، فنزلت هذه الآية...

وقال آخرون: بل عُني بذلك أهل الإسلام، وقالوا: تأويل الكلام: إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء، قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد الله، وقالوا: إنما نزلت هذه الآية في قوم صدّهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم، فأشفقوا أن لا يكون لهم توبة... وقال آخرون: نزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار، فأعلمهم الله بذلك أنه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك، لأن الله عمّ بقوله:"يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ" جميع المسرفين، فلم يخصص به مسرفا دون مسرف.

فإن قال قائل: فيغفر الله الشرك؟ قيل: نعم إذا تاب منه المشرك. وإنما عني بقوله: "إنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذنُوبَ جَمِيعا "لمن يشاء...

وأما قوله: "لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ" فإنه يعني: لا تيأسوا من رحمة الله...

وقوله: "إنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعا" يقول: إن الله يستر على الذنوب كلها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها.

"إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيمُ" بهم، أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلوّ فيها...

{إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} يعني بشرط التوبة، وقد تكرّر ذكر هذا الشرط في القرآن، فكان ذكره فيما ذكر فيه ذكراً له فيما لم يذكر فيه؛ لأنّ القرآن في حكم كلام واحد، ولا يجوز فيه التناقض.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة في كافر ومؤمن، أي إن توبة الكافر تمحو ذنوبه، وتوبة العاصي تمحو ذنبه...

وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} عموم بمعنى الخصوص؛ لأن الشرك ليس بداخل في الآية إجماعاً، وهي أيضاً في المعاصي مقيدة بالمشيئة.

{جميعاً} نصب على الحال...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذه الآية تدل على الرحمة من وجوه:

الأول: أنه سمى المذنب بالعبد والعبودية مفسرة بالحاجة والذلة والمسكنة، واللائق بالرحيم الكريم إفاضة الخير والرحمة على المسكين المحتاج.

الثاني: أنه تعالى أضافهم إلى نفسه بياء الإضافة فقال: {يا عبادي الذين أسرفوا} وشرف الإضافة إليه يفيد الأمن من العذاب.

الثالث: أنه تعالى قال: {أسرفوا على أنفسهم} ومعناه أن ضرر تلك الذنوب ما عاد إليه بل هو عائد إليهم، فيكفيهم من تلك الذنوب عود مضارها إليهم، ولا حاجة إلى إلحاق ضرر آخر بهم.

الرابع: أنه قال: {لا تقنطوا من رحمة الله} نهاهم عن القنوط فيكون هذا أمرا بالرجاء والكريم إذا أمر بالرجاء فلا يليق به إلا الكرم...

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

المراد منها التنبيه على أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب، فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة...عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "قال الله عز وجل يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة "أخرجه الترمذي.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما حذر سبحانه في هذه السورة ولا سيما في هذه الآيات فطال التحذير، وأودعها من التهديد وصادع الإنذار والوعيد العظيم الكثير، وختم بالحث على الإيمان، والنظر السديد في العرفان، وكانت كثرة الوعيد ربما أيأست ونفرت وأوحشت، وصدت عن العطف وأبعدت، قال تعالى مستعطفاً مترفقاً بالشاردين عن بابه متلطفاً جامعاً بين العاطفين، كلام ذوي النعمة على لسان نبي الرحمة صارفاً القول إلى خطابه بعد أسلوب الغيبة: {قل} أي يا أكرم الخلق وأرحمهم بالعباد، ولفت عما تقتضيه "قل "من الغيبة إلى معنى الخطاب زيادة في الاستعطاف، وزاد في الترفق بذكر العبودية والإضافة إلى ضميره عرياً عن التعظيم فقال: {يا} أي ربكم المحسن إليكم يقول: يا {عبادي} فلذذهم بعد تلك المرارات بحلاوة الإضافة إلى جنابه تقريباً من بابه.

ولما أضاف، طمع المطيعون أن يكونوا هم المقصودين، فرفعوا رؤوسهم، ونكس العاصون وقالوا: من نحن حتى يصوب نحونا هذا المقال؟ فقال تعالى جابراً لهم:

{الذين أسرفوا} أي تجاوزوا الحد في وضع الأشياء في غير مواضعها حتى صارت لهم أحمال ثقال.

{على أنفسهم} فأبعدوها عن الحضرات الربانية، وأركسوها في الدنايا الشيطانية، فانقلب الحال، فهؤلاء الذين نكسوا رؤوسهم انتعشوا وزالت ذلتهم والذين رفعوا رؤوسهم أطرقوا وزالت صولتهم -قاله القشيري، وأفهم تقييد الإسراف أن الإسراف على الغير لا يغفر إلا بالخروج عن عهدة ذلك الغير.

{لا تقنطوا} أي ينقطع رجاؤكم وتيأسوا وتمتنعوا- وعظم الترجية بصرف القول عن التكلم وإضافة الرحمة إلى الاسم الأعظم الجامع لجميع صفات الجلال والإكرام فقال: {من رحمة الله} أي إكرام المحيط بكل صفات الكمال، فيمنعكم ذلك القنوط من التوبة التي هي باب الرحمة، ولعظم المقام أضاف إلى الاسم الأعظم، ثم علل ذلك بقوله على سبيل التأكيد لظنهم أن كثرة الوعيد منعت الغفران، وحتمت الجزاء بالانتقام، وكرر الاسم الأعظم تعظيماً للحال، وتأكيداً بما فيه من معنى الإحاطة والجمع لإرادة العموم: {إن الله} أي الجامع لجميع نعوت الجمال والجلال والإكرام، فكما أنه متصف بالانتقام وهو متصف بالعفو والغفران {يغفر} إن شاء.

{الذنوب} ولما أفهمت اللام الاستغراق أكده فقال: {جميعاً} ولا يبالي، لكنه سبق منه القول أنه إنما يغفر الشرك بالتوبة عنه، وأما غيره فيغفره إن شاء بتوبة وإن شاء بلا توبة، ولا يقدر أحد أن يمنعه من شيء من ذلك.

ولما كان لا يعهد في الناس مثل هذا بل لو أراد ملك من ملوك الدنيا العفو عن أهل الجرائم، قام عليه جنده فانحل عقده وانثلم حده، علل هذه العلة بما يخصه، فقال مؤكداً لاستبعاد ذلك بالقياس على ما يعهدون: {إنه هو} أي وحده {الغفور} أي البليغ المغفرة بحيث يمحو الذنوب مهما شاء عيناً وأثراً، فلا يعاقب ولا يعاتب.

{الرحيم} أي المكرم بعد المغفرة ولا يقدر أحد أصلاً على نوع اعتراض عليه، ولا توجيه طعن إليه...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{لاَ تَقْنَطُواْ مِن رحْمَةِ الله} أي لا تيأسُوا من مغفرته أولاً ولا تفضُّلِه ثانياً.

{إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} عفواً لمن يشاءُ ولو بعد حينٍ بتعذيب في الجملة بغيره حسبما يشاء.

وتقييده بالتَّوبةِ خلاف الظَّاهرِ كيف لا وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء، الآية116] ظاهرٌ في الإطلاقِ فيما عدا الشِّركَ، وممَّا يدلُّ عليه التَّعليلُ بقوله تعالى {إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} على المبالغة، وإفادةِ الحصرِ والوعد بالرَّحمةِ بعد المغفرة وتقديمُ ما يستدعي عمومَ المغفرة مَّما في عبادي من الدِّلالةِ على الذِّلَّةِ والاختصاص المقتضيينِ للتَّرحم.

وتخصيصُ ضررِ الإسرافِ بأنفسهم، والنَّهيُ عن القُنوطِ مطلقاً عن الرَّحمةِ، فضلاً عن المغفرة، وإطلاقِها وتعليلهُ بأنَّ الله يغفرُ الذُّنوبَ، ووضعُ الاسمِ الجليلِ موضعَ الضَّميرِ لدلالتهِ على أنَّه المستغنِي والمنعمُ على الإطلاقِ. والتأكيد بالجميعِ وما رُوي من أسبابِ النُّزولِ الدَّالَّةِ على ورود الآيةِ فيمن تابَ لا يقتضِي اختصاصَ الحكم بهم، ووجوبُ حملِ المطلقِ على المقيِّد في كلامِ واحدٍ مثل أكرمِ الكاملينَ غيرُ مسلَّمٍ، فكيف فيما هو بمنزلةِ كلامٍ واحدٍ ولا يخلُّ بذلك الأمرُ بالتَّوبةِ، والإخلاصِ في قوله تعالى: {وَأَنِيبُواْ إلى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}...

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

فيا لها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين في رجائه، الخالعين لثياب القنوط الرافضين لسوء الظنّ بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل بمغفرته، ورحمته على عباده المتوجهين إليه في طلب العفو الملتجئين به في مغفرة ذنوبهم، وما أحسن ما علل سبحانه به هذا الكلام قائلاً: إنه هو الغفور الرحيم، أي: كثير المغفرة، والرحمة عظيمهما بليغهما، واسعهما، فمن أبى هذا التفضل العظيم، والعطاء الجسيم، وظنّ أن تقنيط عباد الله، وتأييسهم من رحمته أولى بهم مما بشرهم الله به، فقد ركب أعظم الشطط، وغلط أقبح الغلط...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا كلام ينحل إلى استئنافين فجملة {قُل} استئناف لبيان ما ترقَّبَه أفضلُ النبيئين صلى الله عليه وسلم أي بلغ عني هذا القول.

وجملةُ {ياعبادي} استئناف ابتدائي من خطاب الله لهم. وابتداء الخطاب بالنداء وعنوانِ العباد مؤذن بأن ما بعده إعداد للقبول وإطماع في النجاة.

والخطاب بعنوان {ياعبادي} مراد به المشركون ابتداءً بدليل قوله: {وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب} [الزمر: 54] وقوله: {وإن كنت لمن الساخرين} [الزمر: 56] وقوله: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} [الزمر: 59]. فهذا الخطاب جرى على غير الغالب في مثله في عادة القرآن عند ذكر {عبادي} بالإِضافة إلى ضمير المتكلم تعالى.

وفي « صحيح البخاري» عن ابن عباس « أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قَتلوا وأَكثروا، وزنَوا وأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرُنا أَن لما عملنا كفارة يعني وقد سمعوا آيات الوعيد لمن يعمل تلك الأعمال وإلا فمن أين علموا أن تلك الأعمال جرائم وهم في جاهلية فنزل: {والذين لا يدعون مع الله إلاهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق ولا يزنون} [الفرقان: 68] يعني إلى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً} [الفرقان: 70] ونزل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه}

والخطاب بقوله: {ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} تمهيد بإجمال يأتي بيانه في الآيات بعده من قوله: {وأنيبوا إلى ربكم} [الزمر: 54]، وبعد هذا فعموم عبادي وعموم صلة الذين أسرفوا} يشمل أهل المعاصي من المسلمين وإن كان المقصود الأصلي من الخطاب المشركين على عادة الكلام البليغ من كثرة المقاصد والمعاني التي تفرغ في قوالب تسعُها.

وجملة {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} تعليل للنهي عن اليأس من رحمة الله، ومادة الغفر ترجع إلى الستر، وهو يقتضي وجود المستور واحتياجَه للستر فدل {يغْفِرُ الذُّنوب} على أن الذنوب ثابتة، أي المؤاخذة بها ثابتة والله يغفرها، أي يزيل المؤاخذة بها، وهذه المغفرة تقتضي أسباباً أُجملت هنا وفصلت في دلائل أخرى من الكتاب والسنة منها قوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} [طه: 82]،، وتلك الدلائل يجمعها أن للغفران أسباباً تطرأ على المذنب، ولولا ذلك لكانت المؤاخذة بالذنوب عبثاً ينزه عنه الحكيم تعالى، كيف وقد سماها ذنوباً وتوعد عليها فكان قوله: {إن الله يغفر الذنوب} دعوةً إلى تطلب أسباب هذه المغفرة فإذا طلبها المذنب عرف تفصيلها...