غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

32

وحين أطنب في الوعيد أردفه ببيان كمال رحمته ومغفرته فقال { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } عن ابن عباس أن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لن يغفر له ونحن قد عبدنا الأوثان وقتلنا الأنفس فأنزل الله هذه الآية . وعن ابن عمر : نزلت في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين أسلموا ثم عذبوا فارتدوا فنزلت فيهم ، وكان عمر كاتباً فكتبها إلى عياش والوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا . وقيل : نزلت بالمدينة في وحشيّ وقد سبق . ثم إن قلنا : العباد عام فالإسراف على النفس يعم الشرك ، ولا نزاع أن عدم اليأس من الرحمة يكون مشروطاً بالتوبة والإيمان . وإن قلنا : العباد المضاف في عرف القرآن مختص بالمؤمنين فالإسراف إما بالصغائر ولا خلاف في أنها مكفرة ما اجتنبت الكبائر ، وأما بالكبائر وحينئذ يبقى النزاع بين الفريقين . فالمعتزلة شرطوا التوبة ، والأشاعرة العفو وقد مر مراراً . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية فقال رجل : يا رسول الله ومن أشرك ؟ فسكت ساعة ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات " رواه في الكشاف . وعلى هذا يكون مخصوصاً بشرط الإيمان .

ولا يخفى ما في الآية من مؤكدات الرحمة : أوّلها تسمية المذنب عبداً والعبودية تشعر بالاختصاص مع الحاجة ، واللائق بالكريم الرحيم إفاضة الجود والرحمة على المساكين . وثانيها من جهة الإضافة الموجبة للتشريف . وثالثها من جهة وصفهم بقوله { الذين أسرفوا على أنفسهم } كأنه قال يكفيهم من تلك الذنوب عود مضرتها عليهم لا عليّ . ورابعها نهاهم عن القنوط ، والكريم إذا أمر بالرجاء فلا يليق به إلا الكرم . وخامسها قوله { من رحمة الله } مع إمكان الاقتصار على الضمير بأن يقول " من رحمتي " فإيراد أشرف الأسماء في هذا المقام يدل على أعظم أنواع الكرم واللطف . وسادسها تكرير اسم الله تعالى في قوله { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } مع تصدير الجملة ب " إن " ، ومع إيراد صيغة المضارع المنبئة عن الاستمرار ، ومع تأكيد الذنوب بقوله { جميعاً } أي حال كونها مجموعة . وسابعها إرداف الجملة بقوله { إنه هو الغفور الرحيم } ومع ما فيه من أنواع المؤكدات ومع جميع ذلك لم يخل الترغيب عن الترهيب ليكون رجاء المؤمن مقروناً بخوفه فقال : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } .

/خ75