وحين أطنب في الوعيد أردفه ببيان كمال رحمته ومغفرته فقال { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } عن ابن عباس أن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لن يغفر له ونحن قد عبدنا الأوثان وقتلنا الأنفس فأنزل الله هذه الآية . وعن ابن عمر : نزلت في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين أسلموا ثم عذبوا فارتدوا فنزلت فيهم ، وكان عمر كاتباً فكتبها إلى عياش والوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا . وقيل : نزلت بالمدينة في وحشيّ وقد سبق . ثم إن قلنا : العباد عام فالإسراف على النفس يعم الشرك ، ولا نزاع أن عدم اليأس من الرحمة يكون مشروطاً بالتوبة والإيمان . وإن قلنا : العباد المضاف في عرف القرآن مختص بالمؤمنين فالإسراف إما بالصغائر ولا خلاف في أنها مكفرة ما اجتنبت الكبائر ، وأما بالكبائر وحينئذ يبقى النزاع بين الفريقين . فالمعتزلة شرطوا التوبة ، والأشاعرة العفو وقد مر مراراً . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية فقال رجل : يا رسول الله ومن أشرك ؟ فسكت ساعة ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات " رواه في الكشاف . وعلى هذا يكون مخصوصاً بشرط الإيمان .
ولا يخفى ما في الآية من مؤكدات الرحمة : أوّلها تسمية المذنب عبداً والعبودية تشعر بالاختصاص مع الحاجة ، واللائق بالكريم الرحيم إفاضة الجود والرحمة على المساكين . وثانيها من جهة الإضافة الموجبة للتشريف . وثالثها من جهة وصفهم بقوله { الذين أسرفوا على أنفسهم } كأنه قال يكفيهم من تلك الذنوب عود مضرتها عليهم لا عليّ . ورابعها نهاهم عن القنوط ، والكريم إذا أمر بالرجاء فلا يليق به إلا الكرم . وخامسها قوله { من رحمة الله } مع إمكان الاقتصار على الضمير بأن يقول " من رحمتي " فإيراد أشرف الأسماء في هذا المقام يدل على أعظم أنواع الكرم واللطف . وسادسها تكرير اسم الله تعالى في قوله { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } مع تصدير الجملة ب " إن " ، ومع إيراد صيغة المضارع المنبئة عن الاستمرار ، ومع تأكيد الذنوب بقوله { جميعاً } أي حال كونها مجموعة . وسابعها إرداف الجملة بقوله { إنه هو الغفور الرحيم } ومع ما فيه من أنواع المؤكدات ومع جميع ذلك لم يخل الترغيب عن الترهيب ليكون رجاء المؤمن مقروناً بخوفه فقال : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.