الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

وقوله تعالى : { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله } الآية ، هذه الآيةُ عامَّةٌ في جميع النَّاسِ إلى يوم القيامةِ ، فتَوْبَةُ الكَافِرِ تَمْحُو ذَنْبَهُ ، وتوبة العاصي تمحو ذنبَهُ ؛ على ما تقدَّم تفصيلُهُ ، واختُلِفَ في سبب نزولِ هذه الآية ، فقال عطاءُ بن يَسَارٍ : نزلَتْ في وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حمزة ، وقال ابن إسحاق وغيره : نزلَتْ في قومٍ بمكَّةَ آمنوا ، ولم يُهَاجِرُوا وفَتَنَتْهُمْ قُرَيْشٌ ، فافتتنوا ، ثم نَدِمُوا وَظَنُّوا أنهم لا تَوْبَةَ لَهم ، فنزلَتِ الآيةُ فِيهِم ، منهم الوَلِيدُ بْنُ الوَلِيدِ وَهِشَامُ بْنُ العَاصي ؛ وهذا قولُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ، وأنه كَتَبَهَا بِيدِهِ إلى هشامِ بْنِ العَاصِي ، الحديثَ ، وقالتْ فرقةٌ : نزلَتْ في قومٍ كُفَّارٍ مِنْ أهْلِ الجاهليَّةِ ، قالوا : وَمَا يَنْفَعُنَا الإسْلاَمُ ، وَنَحْنُ قد زَنَيْنَا وَقَتَلْنَا النَّفْسَ ، وأَتَيْنَا كُلَّ كبيرةٍ ، فَنَزَلَتِ الآيةُ فِيهمْ ، وقالَ عليُّ بْنُ أبي طَالِبِ ، وابنُ مَسْعُودٍ ، وابنُ عُمَرَ : هذِهِ أرْجَى آية في القرآن .

ورَوَى ثَوْبَانُ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَا أُحِبُّ أَنَّ لي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الآيةِ { قُلْ يا عبادي " و{ أَسْرَفُواْ } معناه أَفْرَطُوا ، والقَنَطُ أعْظَمُ اليَأْسِ ، وقرأ نافعٌ والجمهورُ ( تَقْنَطُوا ) بفتح النون ، قال أبو حاتم : فيلزمهم أن يقرؤوا { مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُواْ بكسرها ولم يقرأْ بهِ أحَدٌ ، وقرأ أبو عمرو ( تَقْنِطُوا ) بالكسر .

وقوله : { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } عمومٌ بمعنى الخصوصِ ؛ لأن الشِّرْكَ لَيْسَ بداخلٍ في الآيةِ إجماعاً ، وهي أيضاً في المعاصِي مقيَّدةٌ بالمشيئةِ ، ورُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ :{ إن اللَّه يغفرُ الذنوبَ جَميعاً ولاَ يُبَالِي } وقَرَأَ ابنُ مَسْعُودٍ : { إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً لِمَنْ يَشَاءُ } .