جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

{ قل{[4325]} يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } : بارتكاب المعاصي ، أي معصية كانت ، { لا تقنطوا } : لا تيأسوا ، { من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } ، يعني : ليس ذنب لا يمكن أن تتعلق به مغفرة الله تعالى ، لكن جرت عادة الله تعالى أنه لا يغفر الشرك من غير توبة ، أما سائر المعاصي فيغفر مع التوبة{[4326]} بتّا وبدونها إن أراد ، وما نقل من أسباب نزول تلك الآية لا يدل على خلاف ما فسرناها به مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كيف وقد وردت بيانا لسعة رحمته تعالى ، مع تعليل النهي عن القنوط بأنه يغفر الذنوب بصيغة الجمع مع التأكيد ، نزلت في أناس من المشركين حين قالوا : إن ما توعدونا إليه يا محمد لحسن ، لو تخبرنا أن لما علمنا كفارة ، أو نزلت في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه ، أو في جماعة من المرتدين ، وعن بعض السلف : إن الله تعالى لما سلط إبليس على آدم عليه السلام ، شكى آدم ربه فقال الله تعالى : " لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء فقال : يا رب زدني ، فقال : الحسنة بعشر ، والسيئة بمثلها ، أو أمحوها ، قال : زدني ، قال : باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد ، قال : يا رب زدني فقال : { يا عبادي الذين أسرفوا } الآية ، { إنه هو الغفور الرحيم }


[4325]:ولما شدد على الكفار، وبين ما أعد لهم من العذاب، وأنهم لو كان لأحدهم ملأ الأرض، ومثله معه لافتدوا به، أخذ يبين من إحسانه الكامل، والعناية، وأنهم إن رجعوا وتابوا، رجع عليهم بالعناية والقبول، لئلا يقنطوا من رحمته، فقال: {قل يا عبادي الذين أسرفوا} الآية / 12 وجيز.
[4326]:وفي الفتح: أما ما يزعمه جماعة من المفسرين، من تقييد هذه الآية، بالتوبة جمعا بين هذه الآية، وبين {يغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48، 116) فهو جمع بين الضب والنون، وبين الملاح والحادي، وعلى نفسها براقش تجنى، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة، لم يكن لها كثير موقع، فإن التوبة من الشرك أيضا مقبولة، فلو كانت التوبة قيد في المغفرة، لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقد قال تعالى: {إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} (الرعد: 6) قال الواحدي: المفسرون كلهم قالوا: إن هذه الآية في قوم خافوا، إن أسلموا لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك، وقتل النفس، ومعاداة النبي - صلى الله عليه وسلم- قلت: هب أنها في هؤلاء القوم فكان ماذا، فإن الاعتبار للعموم لا لخصوص السبب، كما هو متفق عليه بين أهل العلم، ولو كانت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها، غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة، إن لم ترفع كلها، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله، وفي الصحيحين وغيرهما، من أحاديث الباب ما لو عرفه المطلع عليه حق معرفته، علم صحة ما ذكرناه، وعرف حقية ما حررناه، قاله الشوكاني، وأيضا قال: يمكن أن يقال: إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعا، يدل على أنه يشاء غفرانها جميعا، وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة بكل المذنبين من المسلمين، فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية / 12. في شرح السنة، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى قاتل حمزة، يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه يا محمد كيف تدعوني، وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنا، ''يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا'' وأنا صنعت ذلك، فهل تجد لي من في رخصة؟ فأنزل الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا} (مريم: 60، الفرقان: 70)، فقال الوحشي: هذا شرط شديد، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء 48، 116)، فقال وحشي: هذا أرى بعد في مشيئته فلا أدري أيغفر لي أم لا هل غير هذا؟ فأنزل الله {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم}، الآية، قال وحشي: هذا نعم، فأسلم، فقال الناس: يا رسول الله إنا أصبنا ما أصاب وحشي، فقال: هي للمسلمين عامة / 12 وجيز، وقال السيوطي: أخرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي بسند لين / 12. [وذكره الهيثمي في ''المجمع'' (7/ 100، 101) وقال: ''رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبين ابن سفين ضعفه الذهبي''.]