إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (53)

{ قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ } أي أفرطُوا في الجنايةِ عليها بالإسرافِ في المعَاصي . وإضافةُ العبادِ تخصصه بالمؤمنين على ما عرف القرآن الكريم .

{ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رحْمَةِ الله } أي لا تيأسُوا من مغفرته أولاً ولا تفضُّلِه ثانياً { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } عفواً لمن يشاءُ ولو بعد حينٍ بتعذيب في الجملة بغيره حسبما يشاء . وتقييده بالتَّوبةِ خلاف الظَّاهرِ كيف لا وقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ سورة النساء ، الآية116 ] ظاهرٌ في الإطلاقِ فيما عدا الشِّركَ . وممَّا يدلُّ عليه التَّعليلُ بقوله تعالى { إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم } على المبالغة وإفادةِ الحصرِ والوعد بالرَّحمةِ بعد المغفرة وتقديمُ ما يستدعي عمومَ المغفرة مَّما في عبادي من الدِّلالةِ على الذِّلَّةِ والاختصاص المقتضيينِ للتَّرحم ، وتخصيصُ ضررِ الإسرافِ بأنفسهم والنَّهيُ عن القُنوطِ مطلقاً عن الرَّحمةِ فضلاً عن المغفرة وإطلاقِها وتعليلهُ بأنَّ الله يغفرُ الذُّنوبَ ووضعُ الاسمِ الجليلِ موضعَ الضَّميرِ لدلالتهِ على أنَّه المستغنِي والمنعمُ على الإطلاقِ .

والتأكيد بالجميعِ وما رُوي من أسبابِ النُّزولِ الدَّالَّةِ على ورود الآيةِ فيمن تابَ لا يقتضِي اختصاصَ الحكم بهم ووجوبُ حملِ المطلقِ على المقيِّد في كلامِ واحدٍ مثل أكرمِ الكاملينَ غيرُ مسلَّمٍ فكيف فيما هو بمنزلةِ كلامٍ واحدٍ ولا يخلُّ بذلك الأمرُ بالتَّوبةِ ، والإخلاصِ في قوله تعالى : { وَأَنِيبُواْ إلى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }