قوله عز وجل : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأنكروا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحمية : الأنفة ، يقال : فلان ذو حمية إذا كان ذا غضب وأنفة . قال مقاتل : قال أهل مكة : قد قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا ، فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزى لا يدخلونها علينا ، فهذه ( حمية الجاهلية ) ، التي دخلت قلوبهم . { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } حتى لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فيعصوا الله في قتالهم ، { وألزمهم كلمة التقوى } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، والسدي ، وابن زيد ، وأكثر المفسرين : كلمة التقوى لا إله إلا الله . وروي عن أبي بن كعب مرفوعاً . وقال علي وابن عمر : " كلمة التقوى لا إله إلا الله والله أكبر . وقال عطاء بن أبي رباح : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقال الزهري : هي بسم الله الرحمن الرحيم { وكانوا أحق بها } من كفار مكة ، { وأهلها } أي : وكانوا أهلها في علم الله ، لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير . { وكان الله بكل شيء عليماً }
ثم بين - سبحانه - ما كان عليه المشركون من جهالات وحماقات استولت على نفوسهم فقال : { إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية } .
والظرف { إِذْ } منصوب بفعل مقدر . والحمية : الأنفة والتكبر والغرور والتعالى بغير حق . يقال : حَمِىَ أنفه من الشئ - كرضى - إذا غضب منه ، وأعرض عنه .
أى : واذكر - أيها العاقل - وقت أن تمسك الكافرون وقيدوا أنفسهم بالحمية الباطلة ، التى هى حمية المِلّة الجاهلية ، حيث منعوا المسلمين من دخول مكة ، ومن الطواف بالمسجد الحرام ، وحيث منعوا الهدى من أن يبلغ محله ، وحيث أبوا أن يكتب فى الصحيفة التى عقدت بينهم وبين المسلمين ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أو محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا كله من حميتهم الجاهلية التى لا أساس لها من علم أو خلق أو دين .
وقوله : { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى . . . } معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين حال الفريقين ، مقابلة تتجلى فيها رعايته - سبحانه - للمؤمنين ، وغضبه على الكافرين . أى : هذا هو حال الكافرين ، رسخت الجهالات فى قلوبهم حتى صرفتهم عن سبيل الرشد ، أما حال المؤمنين فأنهم قابلوا تصرفات هؤلاء الكافرين بالاحتقار والازدراء ومبايعة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - على الموت إذا لزم الأمر ذلك .
فأنزل الله - تعالى - طمأنينته وسكينته على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قلوب أصحابه ، حيث لم يجعلهم يقابلون سفاهات المشركين بسفاهات مثلها . .
{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى } أى : وجعلهم ملتزمين بما تقتضيه كلمة التقوى ، وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوا الله ، من أناة وسكون وثبات ووقار وخلق كريم وإخلاص فى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله .
{ وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أى : وكان المؤمنين أحق بهذه الكلمة من الكفار ، وكانوا أهلا لها دون الكفار ، لأن المؤمنين استجابوا للحق . أما الكافرون فقد أنفوا منه ، وتطاولوا عليه ، بمقضتى حميتهم الجاهلية . . { وَكَانَ } - سبحانه - وما زال { بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } لا يخفى عليه أمر ، ولا يغيب عن علمه شئ ، والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يرى ألوانا من المقابلات التى تدل على مدح الله - تعالى - للمؤمنين ، وعلى احتقاره للكافرين .
فقد عبر - سبحانه - فى جانب الكافرين بكلمة جعل التى تشعر بأن الكافرين كأنهم قد ألقوا هذه الحمية الجاهلية فى قلوبهم إلقاء بدون تعقل أو تبدر ، بينما عبر فى جانب المؤمنين بكلمة أنزل التى تشعر كأن السكينة كانت فى خزائنه - تعالى - ثم أنزلها بعد ذلك على قلب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قلوب المؤمنين ، ليزدادوا إيمانا على إيمانهم . .
ونرى الفاعل لجعل هو الذين كفروا ، بينما الفاعل لأنزل هو الله - عز وجل - .
ونرى المفعول لجعل هو الحمية ، وهى كلمة مشتعلة منفرة ، وقد كررها - سبحانه - ليزداد العقلاء نفورا منها . . ونرى المفعول لأنزل هو السكينة وهى كلمة فيها ما فيها من الوقار والسكون والثبات والطمأنينة .
ونرى الحمية قد أضيفت إلى الجاهلية ، بينما السكينة أضيفت إلى الله - تعالى - .
ونرى أن الله - تعالى - قد أضاف كل ذلك مدحا عظيما لعباده المؤمنين حيث ألزمهم كلمة التقوى ، وجعلهم بها وأهلا لها دون أعدائهم الذين آثروا الغى على الرشد ، والباطل على الحق . . وفى ذلك ما فيه من الثناء على المؤمنين والتحقير للكافرين .
ويمضي في وصف الذين كفروا . وصف نفوسهم من الداخل . بعد تسجيل صفتهم وعملهم الظاهر :
( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) . .
حمية لا لعقيدة ولا لمنهج . إنما هي حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت . الحمية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه ، يمنعونهم من المسجد الحرام ، ويحبسون الهدي الذي ساقوه ، أن يبلغ محله الذي ينحر فيه . مخالفين بذلك عن كل عرف وعن كل عقيدة . كي لا تقول العرب ، إنه دخلها عليهم عنوة . ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين ؛ وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته ؛ وينتهكون حرمة الأشهر الحرم التي لم تنتهك في جاهلية ولا إسلام ! وهي الحمية التي بدت في تجبيههم لكل من أشار عليهم - أول الأمر - بخطة مسالمة ، وعاب عليهم صد محمد ومن معه عن بيت الله الحرام . وهي كذلك التي تبدت في رد سهيل بن عمرو لاسم الرحمن الرحيم ، ولصفة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أثناء الكتابة . وهي كلها تنبع من تلك الجاهلية المتعجرفة المتعنتة بغير حق .
وقد جعل الله الحمية في نفوسهم على هذا النحو الجاهلي ، لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحق والخضوع له . فأما المؤمنون فحماهم من هذه الحمية . وأحل محلها السكينة ، والتقوى :
( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وألزمهم كلمة التقوى . وكانوا أحق بها وأهلها ) . .
والسكينة الوقورة الهادئة ، كالتقوى المتحرجة المتواضعة كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة . المطمئن بما فيه من ثقة . المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة ، فلا يتبطر ولا يطغى ؛ ولا يغضب لذاته ، إنما يغضب لربه ودينه . فإذا أمر أن يسكن ويهدأ خشع وأطاع . في رضى وطمأنينة .
ومن ثم كان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، وكانوا أهلها . وهذا ثناء آخر من ربهم عليهم . إلى جانب الامتنان عليهم بما أنزل على قلوبهم من سكينة ، وما أودع فيها من تقوى . فهم قد استحقوها في ميزان الله ، وبشهادته ؛ وهو تكريم بعد تكريم ، صادر عن علم وتقدير :
ظرف متعلق بفعل { صدوكم } [ الفتح : 25 ] أي صدوكم صدًّا لا عذر لهم فيه ولا داعي إليه إلا حميةَ الجاهلية ، وإلا فإن المؤمنين جاءوا مسالمين معظمين حُرمة الكعبة سائقين الهدايا لنفع أهل الحرم فليس من الرشد أن يمنعوا عن العمرة ولكن حمية الجاهلية غطّت على عقولهم فصمّموا على منع المسلمين ، ثم آل النزاع بين الطائفتين إلى المصالحة على أن يرجع المسلمون هذا العام وعلى أن المشركين يمكنوهم من العمرة في القابل وأن العامين سواء عندهم ولكنهم أرادوا التشفي لما في قلوبهم من الإحن على المسلمين .
فكان تعليق هذا الظرف بفعل { وصدوكم } مشعراً بتعليل الصَّد بكونه حمية الجاهلية ليفيد أن الحمية مُتَمَكنة منهم تظهر منها آثارها فمنها الصد عن المسجد الحرام .
والحمية : الأنفة ، أي الاستنكاف من أمرٍ لأنه يراه غضاضة عليه وأكثر إطلاق ذلك على استكبار لا موجب له فإن كان لموجب فهو إباء الضيم . ولما كان صدهم الناس عن زيارة البيت بلا حق لأن البيت بيت الله لا بيتهم كان داعي المنع مجرد الحمية قال تعالى : { وما كانوا أولياءه } [ الأنفال : 34 ] . و { جعل } بمعنى وضع ، كقول الحريري في المقامة الأخيرة « اجعل الموت نصب عينك » ، وقول الشاعر :
وإثمد يجعل في العين{[387]}
وضمير { جعل } يجوز أن يكون عائداً إلى اسم الجلالة في قوله : { ليدخل الله في رحمته } [ الفتح : 25 ] من قوله : { لعذبنا الذين كفروا } [ الفتح : 25 ] والعدول عن ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة التفات .
و { الذين كفروا } مفعول أول ل { جعل } . و { الحمية } بدل اشتمال من { الذين كفروا } ، و { في قلوبهم } في محل المفعول الثاني ل { جعل } ، أي تخلّقُوا بالحمية فهي دافعة بهم إلى أفعالهم لا يراعون مصلحة ولا مفسدة فكذلك حين صدّوكم عن المسجد الحرام .
و { في قلوبهم } متعلق ب { جعل } ، أي وضع الحمية في قلوبهم .
وقوله : { حمية الجاهلية } عطف بيان للحمية قُصد من إجماله ثم تفصيله تقريرُ مدلوله وتأكيده مَا يحصل لو قال : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم حميةَ الجاهلية } .
وإضافة الحمية إلى الجاهلية لقصد تحقيرها وتشنيعها فإنها من خلق أهل الجاهلية فإن ذلك انتساب ذم في اصطلاح القرآن كقوله : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } [ آل عمران : 154 ] وقوله : { أفحكم الجاهلية يبغون } [ المائدة : 50 ] .
ويعكس ذلك إضافة السكينة إلى ضمير الله تعالى إضافة تشريف لأن السكينة من الأخلاق الفاضلة فهي موهبة إلهاية .
وتفريع { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } ، على { إذ جعل الذين كفروا } ، يؤذن بأن المؤمنين ودُّوا أن يقاتلوا المشركين وأن يدخُلوا مكة للعمرة عنوة غضباً من صدّهم عنها ولكن الله أنزل عليهم السكينة .
والمراد بالسكينة : الثبات والأناة ، أي جعل في قلوبهم التأنّي وصرف عنهم العجْلة ، فعصمهم من مقابلة الحَمِية بالغضب والانتقاممِ فقابلوا الحمية بالتعقل والتثبت فكان في ذلك خير كثير .
وفي هذه الآية من النكت المعنوية مقابلة { جعل } ب { أنزل } في قوله : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } وقوله : { فأنزل الله سكينته } فدلّ على شرف السكينة على الحمية لأن الإنزال تخييل للرفعة وإضافة الحمية إلى الجاهلية ، وإضافة السكينة إلى اسم ذاته . وعُطف على إنزال الله سكينته { ألزمهم كلمة التقوى } [ الفتح : 26 ] ، أي جعل كلمة التقوى لازمة لهم لا يفارقونها ، أي قرن بينهم وبين كلمة التقوى ليكون ذلك مقابلَ قوله : { وصدوكم عن المسجد الحرام } [ الفتح : 25 ] فإنه لما ربط صدهم المسلمين عن المسجد الحرام بالظرف في قوله : { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية الجاهلية } رَبْطاً يفيد التعليل كما قدمناه آنفاً رَبَطَ ملازمة المسلمين كلمة التقوى بإنزال السكينة في قلوبهم ، ليكون إنزال السكينة في قلوبهم ، وهو أمر باطني ، مؤثراً فيهم عملاً ظاهرياً وهو ملازمتهم كلمة التقوى كما كانت حمية الجاهلية هي التي دفعت الذين كفروا إلى صد المسلمين عن المسجد الحرام .
وضمير النصب في { وألزمهم } عائد إلى { المؤمنين } لأنهم هم الذين عوّض الله غضبهم بالسكينة ولم يكن رسول الله مفارقاً السكينة من قبل .
و { كلمة التقوى } إن حملت على ظاهرِ معنى { كلمة } كانت من قبيل الألفاظ وإطلاق الكلمة على الكلام شائع ، قال تعالى : { إنها كلمة هو قائلها } [ المؤمنون : 100 ] ففسرت الكلمة هنا بأنها قول : لا إله إلا الله . وروي هذا عن أُبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي ، وقال : هو حديث غريب . قلت : في سنده : ثوير ، ويقال : ثور بن أبي فاختة قال فيه الدارقطني : هو متروك ، وقال أبو حاتم : هو ضعيف . وروى ابن مردوية عن أبي هريرة وسلمةَ بن الأكوع مثله مرفوعاً وكلها ضعيفة الأسانيد . وروي تفسيرها بذلك عند عدد كثير من الصحابة ومعنى إلزامه إياهم كلمة التقوى : أنه قدَّر لهم الثبات عليها قولاً بلفظها وعملاً بمدلولها إذ فائدة الكلام حصول معناه ، فإطلاق ( الكلمة ) هنا كإطلاقه في قوله تعالى : { وجعلها كلمة باقية في عقبه } [ الزخرف : 28 ] يعني بها قول إبراهيم لأبيه وقومه { إنني بَراء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } [ الزخرف : 26 ، 27 ] .
وإضافة { كلمة } إلى { التقوى } على هذا التفسير إضافة حقيقية . ومعنى إضافتها : أن كلمة الشهادة أصل التقوى فإن أساس التقوى اجتناب عبادة الأصنام ، ثم تتفرع على ذلك شعب التقوى كلها . ورويت أقوال أخرى في تفسير { كلمة التقوى } بمعنى كلام آخر من الكلم الطيب وهي تفاسير لا تلائم سياق الكلام ولا نظمه . ويجوز أن تحتمل { كلمة } على غير ظاهر معناها فتكون مقحمة وتكون إضافتها إلى التقوى إضافة بيانية ، أي كلمة هي التقوى ، ويكون المعنى : وألزمهم التقوى على حد إقحام لفظ اسم في قول لبيد :
إلى الحول ثم اسمُ السلام عليكما
ومنه قوله تعالى : { تبارك اسمُ ربك } [ الرحمن : 78 ] على أحد التفسيرين فيه . ويدخل في التقوى ابتداءً توحيدُ الله تعالى .
ويجوز أن يكون لفظ { كلمة } مطلقاً على حقيقة الشيء . وجُماع معناه كإطلاق الاسم في قول النابغة :
نبئت زرعة والسفاهة كاسمِها *** يُهدي إلى غرائب الأشعار
ويؤيد هذا الوجه ما نقل عن مجاهد أنه قال : كلمة التقوى : الإخلاص . فجعل ( الكلمة ) معنى من التقوى . فالمعنى على هذين التوجهين الأخيرين : أنهم تخلقوا بالتقوى لا يفارقونها فاستعير الإلزام لدوام المقارنة . وهذان الوجهان لا يعارضان تفسير كلمة ( التقوى ) بكلمة ( الشهادة ) المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يكون ذلك تفسيراً بجزئي من التقوى هو أهمّ جزئياتها ، أي تفسير مثال .
وعن الحسن : أن كلمة { التقوى } الوفاء بالعهد ، فيكون الإلزام على هذا بمعنى الإيجاب ، أي أمرهم بأن يفوا بما عاهدوا عليه للمشركين ولا ينقضوا عهدهم ، فلذلك لم ينقض المسلمون العهد حتى كان المشركون هم الذين ابتدأوا بنقضه .
والواو في { وكانوا أحق بها } واو الحال ، والجملة حال من الضمير المنصوب ، أي ألزمهم تلك الكلمة في حال كانوا فيه أحق بها وأهلها ممن لم يلزموها وهم الذين لم يقبلوا التوحيد على نحو قوله تعالى : { وإن كانت لكبيرة إلاّ على الذين هدى الله } [ البقرة : 143 ] . وجيء بفعل كانوا لدلالتها على أن هذه الأحقية راسخة فيهم حاصلة في الزمن الماضي ، أي في قدر الله تعالى .
والمعنى : أن نفوس المؤمنين كانت متهيئة لقبول كلمة التقوى والتزامها بما أرشدها الله إليه . والمفضل عليه مقدر دلّ عليه ما تقدم ، أي أحق بها من الذين كفروا والذين جعل الله في قلوبهم الحمية لأن الله قدّر لهم الاستعداد للإيمان دون الذين أصروا على الكفر .
وأهل الشيء مستحقُه ، والمعنى أنهم كانوا أهل كلمة التقوى لأنها تناسب ضمائرهم وما انطوت عليه قلوبهم . وهذه الأهلية مثل الأحقية متفاوتة في الناس وكلما اهتدى أحد من المشركين إلى الإسلام دلّ اهتداؤه على أنه حصلت له هذه الأهلية للإسلام .
وجملة { وكان اللَّه بكل شيء عليماً } تذييل ، أي وسبق في علم الله ذلك في عموم ما أحاط به علم الله من الأشياء مجرى تكوينه على نحو علمه .