النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

قوله عز وجل : { إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ } يعني قريشاً . وفي حمية الجاهلية قولان :

أحدهما : العصبية لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، والأنفة من أن يعبدوا غيرها ، قاله ابن بحر .

الثاني : أنفتهم من الإقرار له بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم على عادته في الفاتحة ، ومنعهم له من دخول مكة ، قال الزهري .

ويحتمل ثالثاً : هو الاقتداء بآبائهم ، وألا يخالفوا لهم عادة ، ولا يلتزموا لغيرهم طاعة كما أخبر الله عنهم

{ إِنَّا وَجَدْنَا أَبَاءنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُقْتَدُونَ }

[ الزخرف : 23 ] .

{ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤمِنِينَ } يعني الصبر الذي صبروا والإجابة إلى ما سألوا ، والصلح الذي عقدوه حتى عاد إليهم في مثل ذلك الشهر من السنة الثانية قاضياً لعمرته ظافراً بطلبته .

{ وَأَلزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى } فيها أربعة أوجه :

أحدها : قول لا إله إلا الله ، قاله ابن عباس ، وهو يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

الثاني : الإخلاص ، قاله مجاهد .

الثالث : قول بسم الله الرحمن الرحيم ، قاله الزهري .

الرابع : قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم . وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله .

{ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } يحتمل وجهين :

أحدهما : وكانوا أحق بكلمة التقوى أن يقولوها .

الثاني : وكانوا أحق بمكة أن يدخلوها .

وفي من كان أحق بكلمة التقوى قولان :

أحدهما : أهل مكة كانوا أحق بكلمة التقوى أن يقولوها لتقدم إنذارهم لولا ما سلبوه من التوفيق .

الثاني : أهل المدينة أحق بكلمة التقوى حين قالوها ، لتقدم إيمانهم حين صحبهم التوفيق .