غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

1

وقوله { إذ جعل } يجوز أن ينتصب بإضمار " اذكر " أو يكون ظرفاً { لعذبنا } أو ل { صدّوكم } وفاعل { جعل } يجوز أن يكون { الله } وقوله { في قلوبهم } بيان لمكان الجعل كما مر في قوله { وأشربوا في قلوبهم العجل } [ البقرة : 93 ] ويجوز أن يكون { الذين كفروا } ومفعولاه الحمية والظرف فيكون جعلهم في قلبهم بإزاء أنزل الله . والحمية في مقابلة السكينة ، والحمية الأنفة والاستكبار الذي كان عليها أهل الجاهلية ، ومن ذلك عدم إقرارهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومنه ما جرى في قصة الحديبية من إبائهم أن يكتب في كتاب العهد " بسم الله الرحمن الرحيم " وأن يكتب " محمد رسول الله " يقال : حميت أنفي حمية كأنها " فعلية " بمعنى " مفعول " من الحماية اسم أقيم مقام المصدر كالسكينة بمعنى السكون فأنزل الله على رسوله السكينة والوقار حتى أعطاهم ما أرادوا . وكلمة التقوى التسمية والتوحيد والاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، اختارها الله للمؤمنين . ومعنى الإضافة إنها سبب التقوى وأساسها ، أو المراد كلمة أهل التقوى الذين يتقون بها غضب الله . { وكانوا أحق بها وأهلها } لأنهم خيار الأمم . وقيل : أراد وكانوا يعني أهل مكة أحق بهذه الكلمة لتقدّم إنذارهم إلا أن بعضهم سلبوا التوفيق . وحكى المبرد أن الذين كانوا قبلنا لم يكن لأحد أن يقول " لا إله إلا الله " في اليوم والليلة إلا مرة واحدة لا يستطيع أن يقول أكثر من ذلك . وكان قائلها يمدّ بها صوته إلى أن ينقطع نفسه تبركاً بذكر الله ، وقد جعل الله لهذه الأمة أن يقولوها متى شاؤا وهو قوله { وألزمهم كلمة التقوى } أي ندبهم إلى ذكرها ما استطاعوا .

/خ29