فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

والظرف في قوله : { إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ } منصوب بفعل مقدّر : أي اذكر وقت جعل الذين كفروا { فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية } . وقيل : متعلق بعذبنا ، والحميّة : الأنفة ، يقال : فلان ذو حميّة ، أي ذو أنفة وغضب : أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم ، والجعل بمعنى الإلقاء ، وحميّة الجاهلية بدل من الحميّة . قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان ، قال أهل مكة : قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا ، فتتحدّث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزّى لا يدخلونها علينا ، فهذه الحميّة هي حميّة الجاهلية التي دخلت قلوبهم . وقال الزهري : حميّتهم : أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة . قرأ الجمهور { لو تزيلوا } وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وابن عون ( لو تزايلوا ) . والتزايل : التباين { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين } أي أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحميّة ، وقيل : ثبتهم على الرضى والتسليم { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى } وهي : «لا إله إلاَّ الله » كذا قال الجمهور ، وزاد بعضهم : «محمد رسول الله » وزاد بعضهم : «وحده لا شريك له » . وقال الزهري هي : { بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم } وذلك أن الكفار لم يقرّوا بها ، وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير ، فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها . والأوّل أولى ، لأن كلمة التوحيد هي التي يتقى بها الشرك بالله ، وقيل : كلمة التقوى : هي الوفاء بالعهد والثبات عليه { وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أي وكان المؤمنون أحقّ بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم ، لأن الله سبحانه أهلهم لدينه ، وصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم .

/خ29