معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال مقاتل : يعني كفار مكة ، كانوا في الدنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ، ولم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره ، ثم يعذبون على ترك الشكر ، هذا قول الحسن . وعن ابن مسعود رفعه قال : { لتسألن يومئذ عن النعيم } قال : " الأمن والصحة " . وقال قتادة : إن الله يسأل كل ذي نعمة عما أنعم عليه .

أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، حدثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا شبابة ، عن عبد الله بن العلاء ، عن الضحاك بن عرزم الأشعري قال : سمعت أبا هريرة يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما يسأل العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح جسمك ؟ ونروك من الماء البارد " .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شيبان أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد ، فأتاه أبو بكر فقال : ما جاء بك يا أبا بكر ؟ فقال : خرجت لألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنظر إلى وجهه ، وللتسليم عليه ، فلم يلبث أن جاء عمر ، فقال : ما جاء بك يا عمر ؟ قال : الجوع يا رسول الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا قد وجدت بعض ذلك ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ، وكان رجلاً كثير النخل والشاء ، ولم يكن له خدم ، فلم يجدوه ، فقالوا لامرأته : أين صاحبك ؟ فقالت : انطلق ليستعذب لنا الماء ، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة زعبها ماءً فوضعها ، ثم جاء يلتزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه ، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطاً ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أفلا تنقيت لنا من رطبه وبسره ، فقال : يا رسول الله إني أردت أن تتخيروا من رطبه وبسره ، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد ، فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تذبحن ذات در ، فذبح لهم عناقاً أو جدياً ، فأتاهم بها ، فأكلوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك خادم ؟ قال : لا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا أتانا سبي فأتنا ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث ، فأتاه أبو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اختر منهما ، فقال : يا نبي الله اختر لي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، إن المستشار مؤتمن ، خذ هذا ، فإني رأيته يصلي ، واستوص به معروفاً ، فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت امرأته : ما أنت ببالغ فيه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه ، قال : فهو عتيق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه إلا خبالاً ، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي " . وروي عن ابن عباس قال : النعيم : صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العبيد فيم استعملوها ؟ وهو أعلم بذلك منهم ، وذلك قوله : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا }( الإسراء- 36 ) . وقال عكرمة : عن الصحة والفراغ . وقال سعيد بن جبير : عن الصحة والفراغ والمال .

أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا الحسين بن الحسن بمكة ، حدثنا عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى ، قالا : حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " . قال محمد بن كعب : يعني عما أنعم عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقال أبو العالية : عن الإسلام والسنن . وقال الحسين بن الفضل : تخفيف الشرائع .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

ثم ختم - سبحانه - السورة بقوله : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم } ، والمراد بالنعيم هنا : ما يتنعم به الإِنسان خلال حياته الدنيوية من مال وولد ، ومن طعام وشراب ، ومن متعه وشهوة . . من النعومة التى هى ضد الخشونة .

أى : ثم إنكم بعد ذلك - أيها الناس - والله لتسألن يوم القيامة عن ألوان النعم التى منحكم الله - تعالى - إياها ، فمن أدى ما يجب عليه نحوها من شكر الله - تعالى - عليها كان من السعداء ، ومن جحدها وغمطها وشغلته عن طاعة ربه ، وتباهى وتفاخر بها . . كان من الأشقياء ، كما قال - تعالى - : { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } فالمراد بالسؤال إنما هو سؤال التكريم والتبشير للمؤمنين الشاكرين ، وسؤال الإِهانة والتوبيخ للفاسقين الجاحدين .

والآية الكريمة دعوة حارة للناس ، إلى شكر نعمة - تعالى - واستعمالها فيما خلقت له .

قال القرطبى ما ملخصه : والسؤال يكون للمؤمن والكافر . . والجمع بين الأخبار التى وردت فى ذلك : أن الكل يسألون ، ولكن سؤال الكافر توبيخ ؛ لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف ؛ لأنه قد شكر ، وهذا النعيم فى كل نعمة .

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده الشاكرين .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) !

لتسألن عنه من أين نلتموه ? وفيم أنفقتموه ? أمن طاعة وفي طاعة ? أم من معصية وفي معصية ? أمن حلال وفي حلال ? أم من حرام وفي حرام ? هل شكرتم ? هل أديتم ? هل شاركتم ? هل استأثرتم ?

( لتسألن )عما تتكاثرون به وتتفاخرون . . فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل !

ختام السورة:

إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها . وتلقي في الحس ما تلقي بمعناها وإيقاعها . وتدع القلب مثقلا مشغولا بهم الآخرة عن سفساف الحياة الدنيا وصغائر اهتماماتها التي يهش لها الفارغون !

إنها تصور الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل . . ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) . . وتنتهي ومضة الحياة الدنيا وتنطوي صفحتها الصغيرة . . ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال ؛ ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء . فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد . .

وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة ، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها ، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها . . حتى يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلا في الطريق !

ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد ! ! !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

ثم أخبر تعالى أن الناس مسؤولون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ؟ ولم آثروه ؟ ويتوجه في هذا أسولة كثيرة بحسب شخص شخص ، هي منقادة لمن أعطي فهما في كتاب الله تعالى ، وقال ابن مسعود والشعبي وسفيان ومجاهد : النعيم هو الأمن والصحة ، وقال ابن عباس : هو البدن والحواس يسأل المرء فيما استعملهما ؟ وقال ابن جبير : هو كل ما يتلذذ به من طعام وشراب ، وأكل رسول الله عليه السلام هو وبعض أصحابه رطبا ، وشربوا عليه ماء ، فقال لهم : هذا من النعيم الذي تسألون عنه{[11967]} ، ومضى عليه الصلاة والسلام يوما هو وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما -وقد جاعوا- الى منزل أبي الهيثم بن التيهان ، فذبح لهم شاة ، وأطعمهم خبزا ورطبا ، واستعذب لهم ماء ، وكانوا في ظل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم " {[11968]} . وروي عنه عليه السلام أنه قال : " النعيم المسؤول عنه كسرة تقوته ، وماء يرويه ، وثوب يواريه " {[11969]} . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن النعيم المسؤول عنه الماء البارد في الصيف " {[11970]} وقال عليه الصلاة والسلام : " من أكل خبز البر ، وشرب الماء البارد في ظل ، فذلك النعيم الذي يسأل عنه " {[11971]} ، وقال عليه الصلاة والسلام : " بيت يكنك ، وخرقة تواريك ، وكسرة تشد قلبك ، وما سوى ذلك فهو نعيم " {[11972]} ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام : " كل نعيم فهو مسؤول عنه ، إلا نعيما في سبيل الله عز وجل " {[11973]} .

كمل تفسير سورة التكاثر والحمد لله رب العالمين .


[11967]:أخرجه أحمد، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله، وفيه أنه سمى أبا بكر وعمر بدلا من قوله هنا: "هو وبعض أصحابه". (الدر المنثور).
[11968]:أخرجه البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس، وفيه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما عند الظهيرة فوجد أبا بكر في المسجد جالسا، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله، ثم إن عمر جاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن الخطاب ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: أخرجني الذي أخرجكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بكما من قوة فتنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان من طعام وشراب؟ فقلنا: نعم يا رسول الله، فانطلقنا حتى أتينا منزل مالك بن التيهان أبي الهيثم الأنصاري)- (الدر المنثور). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر أتيا رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأى قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، قال: فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذا، وأخذ المدية ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياك والحلوب)، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق، وشربوا ، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: (والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم)، وقد خرجه الترمذي وقال فيه: "هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة، ظل بارد، ورطب طيب، وماء بارد" وكنى الرجل الذي من الأنصار فقال: "أبو الهيثم بن التيهان" وذكر قصته.
[11969]:أخرجه ابن جرير عن ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[11970]:رواه الترمذي والطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة –يعني العبد من النعيم- أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد؟ وأورده السيوطي في (الدر المنثور)، وزاد نسبته إلى أحمد، وعبد بن حميد، وابن حبان، وابن مردويه، والبيهقي في (شعب الإيمان).
[11971]:أورده السيوطي في (الدر المنثور) قائلا: أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن قوله : (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)، قال: من أكل خبز البر، وشرب ماء الفرات مبردا، وكان له منزل يسكنه، فذاك هو النعيم الذي يسأل عنه)، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[11972]:ذكره السيوطي في الدر من رواية عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن الحسن مرسلا، وهو ضعيف في المرفوع.
[11973]:الجملة الأولى (كل نعيم فهو مسئول عنه) تكاد تكون ضمن أكثر الأحاديث التي وردت في الموضوع، لكني لم أقف على الحديث بهذا النص كاملا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

أعقب التوبيخ والوعيد على لهوهم بالتكاثر عن النظر في دعوة الإِسلام من حيث إن التكاثر صدهم عن قبول ما ينجيهم ، بتهديدٍ وتخويف من مؤاخذتهم على ما في التكاثر من نعيم تمتعوا به في الدنيا ولم يشكروا الله عليه بقوله تعالى : { ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم } ، أي عن النعيم الذي خولتموه في الدنيا فلم تشكروا الله عليه وكان به بَطركُم .

وعطف هذا الكلام بحرف { ثم } الدال على التراخي الرتبي في عطفه الجُملَ من أجل أن الحساب على النعيم الذي هو نعمة من الله أشدّ عليهم لأنهم ما كانوا يترقبونه ، لأن تلبسهم بالإِشراك وهُم في نعيم أشد كفراناً للذي أنعم عليهم .

و { النعيم } : اسم لما يلذّ لإِنسان مما ليس ملازماً له ، فالصحة وسلامة الحواس وسلامة الإِدراك والنوم واليقظة ليست من النعيم ، وشرب الماء وأكل الطعام والتلذّذ بالمسموعات وبما فيه فخر وبرؤية المحاسن ، تعد من النعيم .

والنعيم أخص من النعمة بكسر النون ومرادف للنَّعمة بفتح النون .

وتقدم النعيم عند قوله تعالى : { لهم فيها نعيم مقيم } في سورة براءة ( 21 ) .

والخطاب موجه إلى المشركين على نسق الخطابات السابقة .

والجملة المضاف إليها ( إذ ) من قوله : يومئذ } محذوفة دل عليها قوله : { لترون الجحيم } [ التكاثر : 6 ] أي يوم إذ ترون الجحيم فيغلظ عليكم العذاب .

وهذا السؤال عن النعيم الموجه إلى المشركين هو غير السؤال الذي يُسأله كل منعَم عليه فيما صرف فيه النعمة ، فإن النعمة لما لم تكن خاصة بالمشركين خلافاً للتكاثر كان السؤال عنها حقيقاً بكل منعَم عليه وإن اختلفت أحوال الجزاء المترتب على هذا السؤال .

ويؤيده ما ورد في حديث مسلم عن أبي هريرة قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته . إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرمُ أضيافاً مني فانطلق فجاءهم بعِذْق فيه بُسْر وتَمر ورُطب وأخذ المدية فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لتُسألنَّ عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة " الحديث . فهذا سؤال عن النعيم ثبت بالسنة وهو غير الذي جاء في هذه الآية . والأنصاري هو أبو الهيثم بن التَّيِّهان واسمه مالك .

ومعنى الحديث : لتُسألن عن شكر تلك النعمة ، أراد تذكيرهم بالشكر في كل نعمة . وسؤال المؤمنين سؤال لترتيب الثواب على الشكر أو لأجل المؤاخذة بالنعيم الحرام .

وذكر القرطبي عن الحسن : لا يُسأل عن النعيم إلا أهل النار ، وروي{[462]} « أن أبا بكر لما نَزَلَتْ هذه الآية قال : يا رسول الله أرأيتَ أكلة أكلتُها معك في بيت أبي الهيثم بن التيِّهان من خبز شعير ولحم وبُسر قد ذَنَّب{[463]} وماء عذب ، أنخاف أن يكون هذا من النعيم الذي نُسأل عنه ؟ فقال عليه السلام : " ذلك للكُفار " ثم قرأ : { وهل يُجازَى إلا الكفور } [ سبأ : 17 ] .

قال القشيري : والجمع بين الأخبار أن الكلَّ يسألون ، ولكن سؤال الكافر سؤال توبيخ لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف لأنه شكر .

والجملة المضاف إليها ( إذ ) من قوله : { يومئذ } محذوفة دلّ عليها قوله : { لترون الجحيم } [ التكاثر : 6 ] أي يوم إذ ترون الجحيم فيغلظ عليكم العذاب .


[462]:- ذكره القرطبي عن القشيري.
[463]:- يقال ذنبت البسرة، إذا ظهر مثل الوكت من جهة ذنبها، أي بدأ إرطابها. والرطب يسمى التذنوب بفتح المثناة الفوقية.