معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

قوله تعالى : { إنما يتذكر أولو الألباب قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } بطاعته واجتناب معاصيه . { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } أي : آمنوا وأحسنوا العمل ، " حسنة " يعني الجنة ، قال مقاتل . وقال السدي : " في هذه الدنيا حسنة " يعني : الصحة والعافية . { وأرض الله واسعة } قال ابن عباس ، يعني ارتحلوا من مكة . وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي ، وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة ، وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي ببلدة فليهرب منها إلى غيرها . { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الذين صبروا على دينهم ، فلم يتركوه للأذى . وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء ، وصبروا وهاجروا . قال علي رضي الله عنه : كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرون ، فإنه يحثى لهم حثياً ، ويروى : " يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صباً بغير حساب " ، قال الله تعالى :{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب أهل البلاء من الفضل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

8

وبعد عرض هاتين الصورتين يتجه إلى الذين آمنوا يناديهم ليتقوا ويحسنوا ؛ ويتخذوا من حياتهم القصيرة على هذه الأرض وسيلة للكسب الطويل في الحياة الآخرة :

( قل : يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم . للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة . وأرض الله واسعة . إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . .

وفي التعبير : ( قل : يا عباد الذين آمنوا )التفاتة خاصة . فهو في الأصل : قل لعبادي الذين آمنوا . . قل لهم : اتقوا ربكم . ولكنه جعله يناديهم ، لأن في النداء إعلاناً وتنبيهاً . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لا يقول لهم : ( يا عبادي )فهم عباد الله . فهناك هذه الالتفاتة في أثناء تكليفه بتبليغهم أن يناديهم باسم الله . فالنداء في حقيقته من الله . وما محمد [ صلى الله عليه وسلم ] إلا مبلغ عنه للنداء .

( قل : يا عباد الذين آمنوا . اتقوا ربكم ) . .

والتقوى هي تلك الحساسية في القلب ، والتطلع إلى الله في حذر وخشية ، وفي رجاء وطمع ، ومراقبة غضبه ورضاه في توفز وإرهاف . . إنها تلك الصورة الوضيئة المشرقة ، التي رسمتها الآية السابقة لذلك الصنف الخاشع القانت من عباد الله .

( للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ) . .

وما أجزل الجزاء ! حسنة في الدنيا القصيرة الأيام الهزيلة المقام . تقابلها حسنة في الآخرة دار البقاء والدوام . ولكنه فضل الله على هذا الإنسان . الذي يعرف منه ضعفه وعجزه وضآلة جهده . فيكرمه ويرعاه !

( وأرض الله واسعة ) .

فلا يقعد بكم حب الأرض ، وإلف المكان ، وأواصر النسب والقربى والصحبة في دار عن الهجرة منها ، إذا ضاقت بكم في دينكم ، وأعجزكم فيها الإحسان . فإن الالتصاق بالأرض في هذه الحالة مدخل من مداخل الشيطان ؛ ولون من اتخاذ الأنداد لله في قلب الإنسان .

وهي لفتة قرآنية لطيفة إلى مداخل الشرك الخفية في القلب البشري ، في معرض الحديث عن توحيد الله وتقواه ، تنبئ عن مصدر هذا القرآن . فما يعالج القلب البشري هذا العلاج إلا خالقه البصير به ، العليم بخفاياه .

والله خالق الناس يعلم أن الهجرة من الأرض عسيرة على النفس ، وأن التجرد من تلك الوشائج أمر شاق ، وأن ترك مألوف الحياة ووسائل الرزق واستقبال الحياة في أرض جديدة تكليف صعب على بني الإنسان : ومن ثم يشير في هذا الموضع إلى الصبر وجزائه المطلق عند الله بلا حساب :

( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . .

فيأخذ قلوبهم بهذه اللمسة في موضعها المناسب ، ويعالج ما يشق على تلك القلوب الضعيفة العلاج الشافي ، وينسم عليها في موقف الشدة نسمة القرب والرحمة . ويفتح لها أبواب العوض عن الوطن والأرض والأهل والإلف عطاء من عنده بغير حساب . . فسبحان العليم بهذه القلوب ، الخبير بمداخلها ومساربها ، المطلع فيها على خفي الدبيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

{ قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم } بلزوم طاعته . { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة . وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية ، وفي هذه بيان لمكان { حسنة } . { وأرض الله واسعة } فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه . { إنما يوفي الصابرون } على مشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها . { أجرهم بغير حساب } أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب ، وفي الحديث إنه " ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم ، ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل " .