قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ } يحتمل قوله : { اتَّقُوا رَبَّكُمْ } وجوها :
اتقوا سخط ربكم ، أو اتقوا نقمة ربكم ، أو اتقوا مخالفة ربكم ، ونحوه .
وأصل التقى ما به تهلكون ، أي اتقوا مهالككم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } قال عامة أهل التأويل : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } لهم في الآخرة .
وجائز أن يكون لهم الحسنة في الدنيا والآخرة كقوله تعالى : { * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } [ النحل : 30 ] وكقوله عز وجل : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ } [ النحل : 41 ] .
ثم تحتمل الحسنة وجها آخر هو استغفار الملائكة لهم والأنبياء عليهم السلام لأن الله عز وجل امتحن ملائكته باستغفار المؤمنين والمؤمنات كقوله : { ويستغفرون لمن في الأرض } [ الشورى : 5 ] وكذلك امتحن رسله بالاستغفار للمؤمنين ، وكذلك امتحن المؤمنين ؛ يستغفر بعضهم لبعض ونحوه .
وقوله تعالى : { وأرض الله واسعة } ذكر هذا ، والله أعلم ، لأن من آمن منهم بمكة كانوا يظهرون الموافقة لأعدائهم ، ويقيمون في ما بينهم ، وكانت لهم أسباب التعيش في بلدهم ، ولم يكن لهم تلك في بلد غيرهم ، فخافوا الضياع ، إن هم خرجوا من بلدهم ، فيهاجروا فيها إلى غير بلدهم ، فيمتنعون عن ذلك .
فجاءت الآية على الترجي والإطماع لهم بمثل ذلك التعيش وأسبابه في ذلك البلد ، وهو ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } [ النساء : 97 ] . لم يعذروا في تركهم الهجرة وإظهارهم الموافقة للأعداء ، ولهم طاقة ووسع التحول من بلدهم إلى بلد غيرهم الآمن ، لم يكن بهم طاقة الخروج من بينهم ، وهم الذين استثناهم ، وهو قوله : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } الآية [ النساء : 98 ] والله أعلم .
وقوله تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } يحتمل قوله : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي بغير تبعة ولا تنويه كقوله صلى الله عليه وسلم : " من نوقش الحساب عذب " [ البخاري 6536 ] .
ويحتمل : { بغير حساب } أي لا يحاسبون لما ليس وراء تلك الدار الآخرة دار أخرى يحاسبون فيها ما أعطوا في الآخرة ، ليست كدار الدنيا يحاسبون ما أوتوا فيها في الآخرة وأما ما أعطوا في الآخرة فلا يحاسبون في غيرها .
ويحتمل : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي غير مقدر بالحساب ، ولكن { يوفى الصابرون أجرهم } أضعافا مضاعفة .
ويحتمل : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي بلا نهاية ولا غاية ، والله أعلم .
ثم الصبر ، هو حبس النفس إما على أداء ما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإما حبسها وكفها لاحتمال ما حملت من الشدائد والمصائب والمؤن العظام .
احتملوا ذلك ، ولم يجزعوا ، وهو ما ذكر في غير آية من القرآن كقوله تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [ الأنبياء : 35 ] ونحوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.