{ قُلْ يا عِبَادِ الذين ءامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ } لما نفى سبحانه المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم ، وبين أنه { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب } أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه والإيمان به . والمعنى : يا أيها الذين صدّقوا بتوحيد الله اتقوا ربكم بطاعته ، واجتناب معاصيه ، وإخلاص الإيمان له ، ونفي الشركاء عنه ، والمراد : قل لهم قولي هذا بعينه . ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى بين لهم ما في هذه التقوى من الفوائد ، فقال : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ } أي للذين عملوا الأعمال الحسنة في هذه الدنيا على وجه الإخلاص حسنة عظيمة ، وهي الجنة ، وقوله : { فِي هذه الدنيا } متعلق بأحسنوا . وقيل : هو متعلق بحسنة على أنه بيان لمكانها ، فيكون المعنى : للذين أحسنوا في العمل حسنة في الدنيا بالصحة والعافية ، والظفر والغنيمة ، والأوّل أولى . ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات والإحسان في وطنه ، أرشد الله سبحانه من كان كذلك إلى الهجرة ، فقال : { وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ } أي فليهاجر إلى حيث يمكنه طاعة الله . والعمل بما أمر به ، والترك لما نهى عنه ، ومثل ذلك قوله سبحانه : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فِيهَا } [ النساء : 97 ] ، وقد مضى الكلام في الهجرة مستوفى في سورة النساء . وقيل : المراد بالأرض هنا : أرض الجنة ، رغبهم في سعتها ، وسعة نعيمها كما في قوله : { جَنَّةُ عَرْضُهَا السموات والأرض } [ آل عمران : 133 ] ، والأوّل أولى .
ثم لما بيّن سبحانه ما للمحسنين إذا أحسنوا ، وكان لابدّ في ذلك من الصبر على فعل الطاعة ، وعلى كفّ النفس عن الشهوات ، أشار إلى فضيلة الصبر وعظيم مقداره ، فقال : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي يوفيهم الله أجرهم في مقابلة صبرهم بغير حساب ، أي : بما لا يقدر على حصره حاصر ، ولا يستطيع حسبانه حاسب . قال عطاء : بما لا يهتدي إليه عقل ولا وصف . وقال مقاتل : أجرهم الجنة ، وأرزاقهم فيها بغير حساب . والحاصل : أن الآية تدلّ على أن ثواب الصابرين ، وأجرهم لا نهاية له ، لأن كل شيء يدخل تحت الحساب ، فهو متناهٍ ، وما كان لا يدخل تحت الحساب ، فهو غير متناه ، وهذه فضيلة عظيمة ، ومثوبة جليلة تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله ، وطامع فيما عنده من الخير ، أن يتوفر على الصبر ، ويزّم نفسه بزمامه ، ويقيدها بقيده ، فإن الجزع لا يردّ قضاء قد نزل ، ولا يجلب خيراً قد سلب ، ولا يدفع مكروهاً قد وقع ، وإذا تصوّر العاقل هذا حقّ تصوره ، وتعقله حقّ تعقله علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم ، وظفر بهذا الجزاء الخطير ، وغير الصابر قد نزل به القضاء شاء أم أبى ، ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقادر قدره ، ولا يبلغ مداه ، فضمّ إلى مصيبته مصيبة أخرى ، ولم يظفر بغير الجزع ، وما أحسن قول من قال :
أرى الصبر محموداً وعنه مذاهب *** فكيف إذا ما لم يكن عنه مذهب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.