الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

وقوله تعالى : { قُلْ يا عباد الذين آمَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ } يُرْوَى أنَّ هذهِ الآيةَ نزلتْ في جَعْفَرِ بن أبي طالب وأصحابِهِ ، حِينَ عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة ، ووعد سبحانه بقوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ } فقولهُ : { فِي هذه الدنيا } متعلق ب { أَحْسَنُواْ } ، والمعنى : أنَّ الذين يُحْسِنُونَ في الدنيا لَهُمْ حَسَنَةٌ في الآخِرَة ، وهي الجنةُ والنعيمُ ؛ قاله مقاتلٌ ويحتملُ أنْ يريدَ : أن الذينَ يُحْسِنُونَ لهُم حسَنَةٌ في الدنيا ، وهي العافيةُ والظهورُ وولايةُ اللَّهِ تعالى ؛ قاله السُّدّيُّ ، والأَوَّلُ أرجح أن الحسَنَةَ هِي في الآخِرة .

وقوله سبحانه : { وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ } حَضٌّ عَلى الهجرةِ ، ثم وَعَدَ تعالى على الصَّبْرِ على المكارِهِ ، والخروج مِنَ الوَطَنِ ونُصْرَةِ الدينِ وجميعِ الطاعات بِتَوْفِيَةِ الأجورِ بغير حِسَابٍ ، وهذا يحْتَمِلُ معنيين :

أحدهما : أن الصابرَ يؤتى أَجْرَهُ وَلاَ يحاسَبُ على نعيمٍ ولا يُتَابَعُ بذنوبٍ ، ويكونُ في جملة الذين يدخلون الجنةَ بغير حساب .

والثاني من المعنيين : أن أجورَ الصابرينَ توفى بغَيْرِ حَصْر وَلا عَدٍّ ، بلْ جُزَافاً ، وهذه استعارةٌ للكثرةِ التي لا تحصى ؛ وإلى هذا التأويلِ ذَهَبَ جمهورُ المفسرينَ ، حتى قال قتادةُ : لَيْسَ ثَمَّ واللَّهِ مِكْيَالٌ ولا ميزان ، وفي الحديث أَنَّهُ لما نزلت { والله يضاعف لِمَن يَشَاءُ } [ البقرة : 261 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ ، زِدْ أُمَّتِي " ، فَنَزَلَتْ بَعْدَ ذلِكَ { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } [ البقرة : 245 ] فقال : " اللَّهُمَّ زِدْ أُمَّتِي حتى نزلَتْ " : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، قال : رَضِيتُ يَا رَبِّ .