الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

ثم قال تعالى : { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } .

روى الشموني{[58735]} عن الأعمش{[58736]} عن أبي بكر : ( يا عبادي ) بياء مفتوحة{[58737]} .

والمعنى : قل يا محمد لعبادي المؤمنين : يا عباد{[58738]} الذين آمنوا ، أي : صدقوا بالله ورسوله .

{ اتقوا ربكم } أي : اتقوه بطاعته واجتناب معاصيه .

ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب ( الطيار في الجنة ){[58739]} وأصحابه من المؤمنين لما قيل لهم : { وأرض الله واسعة } ، خرجوا مهاجرين من مكة إلى أرض الحبشة ، وقيل لهم : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }{[58740]} يعني : الصابرين على دينهم يفرون به من بلد إلى بلد{[58741]} .

ثم قال : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة{[58742]} } أي : للذين أطاعوا الله في الدنيا ، حسنة في الدنيا وهي العافية والصحة ، قاله السدي{[58743]} .

وقيل : الحسنة التي لهم في الدنيا : موالاة الله إياهم وثناؤه عليهم{[58744]} .

وقيل : المعنى : للذين أطاعوا الله في الدنيا حسنة في الآخرة ، وهي الجنة{[58745]} .

وقوله : { وأرض الله واسعة } يعني : أرض الجنة .

وقيل : المعنى : أرض الدنيا واسعة{[58746]} ، فهاجروا من أرض الشرك إلى أرض{[58747]} السلام{[58748]} .

قال مجاهد في قوله تعالى : { إن أرضي واسعة } أي : أرض الدنيا واسعة فهاجروا واعتزلوا الأوثان{[58749]} .

وقيل : المعنى : أرض الجنة واسعة لمن طلبها وعمل لها .

ثم قال تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } أي : إنما يعطي الله أهل الصبر على طاعته أجرهم في الآخرة بغير حساب .

قال قتادة : ما هناكم مكيال ولا ميزان{[58750]} ، وقال السدي : ذلك في الجنة{[58751]} .

قال مالك ، ( هو الصبر على فجائع الدنيا{[58752]} وأحزانها ، وقد بلغني أن الصبر من / الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ){[58753]} .

وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : لما نزلت { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة{[58754]} الآية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " . فنزلت : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له }{[58755]} فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " ، فنزلت : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }{[58756]} .

وقيل : ( بغير حساب ) . بغير تقدير{[58757]} .

وقيل : المعنى ، يزاد في أجره بغير مطالبة{[58758]} على ما أعطي{[58759]} كما يطالب بالشكر على نعيم الدنيا{[58760]} .

ويقال : ( فلان صابر ){[58761]} : إذا صبر عن المعاصي ، فإن أردت أنه صابر على المصيبة{[58762]} ، قلت صابر على كذا .


[58735]:هو محمد بن حبيب أبو جعفر الشموني الكوفي، مقرئ ضابط مشهور، أخذ القراءة عن أبي يوسف الأعشى عرضا، وأخذ عنه، إدريس بن عبد الكريم. وقرأ عليه عبد الله الزعفراني سنة أربعين ومائتين. لم أقف على تاريخ وفاته. انظر: ترجمته في طبقات القراء 2/114 ت 2913.
[58736]:هو سليمان بن سهران الأسدي بالولاء، أبو محمد، الملقب بالأعمش، تابعي، أخذ القراءة عن النخعي، وروى عنه ابن أبي ليلى. توفي سنة 148. انظر: طبقات ابن سعد 6/348، وحجة القراءات 70، والحلية 5/46 ت 288.
[58737]:انظر: إنشاد الشريد ظهر الورقة 51.
[58738]:(ح): (يا عبادي).
[58739]:ساقط من (ح).
[58740]:الزمر آية 11.
[58741]:قاله ابن عباس، انظر: ذلك في جامع القرطبي 15/240، والمحرر الوجيز 14/69.
[58742]:في طرة (ع).
[58743]:انظر: جامع البيان 23/130.
[58744]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/631.
[58745]:انظر: مشكل إعراب القرآن، وجامع البيان 23/130، وجامع القرطبي 15/240.
[58746]:(ح) ...واسعة، أي: أرض الدنيا واسعة.
[58747]:(ح): دار.
[58748]:قال به الزجاج في معانيه 4/437، وابن عطية في المحرر الوجيز 14/69.
[58749]:انظر: تفسير مجاهد 2/556، وجامع البيان 23/130 وتفسير ابن كثير 4/48.
[58750]:انظر: جامع البيان 23/130، والمحرر الوجيز 14/70، وجامع القرطبي 15/241، والدر المنثور 7/215.
[58751]:انظر: تفسير ابن كثير 4/49.
[58752]:(ح) في المنيا.
[58753]:انظر: أحكام ابن العربي 4/1656 لا، والجامع للقرطبي 15/241.
[58754]:البقرة: 260.
[58755]:البقرة آية 243.
[58756]:لم أقف عليه إلا في المحرر الوجيز 14/70.
[58757]:(ع): (تقتير). ولعل الصواب ما أثبت في المتن لموافقته لما في إعراب النحاس 4/7. وانظر: إعراب النحاس.
[58758]:(ح): مطالب.
[58759]:(ح): ما أعطا.
[58760]:قاهل ابن جريح. انظر: ذلك في الدر المنثور 7/215.
[58761]:(ح): فلانا صابرا.
[58762]:(ح) المعصية.