غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

1

وحين بين عدم الاستواء بين من يعلم وبين من لا يعلم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب المؤمنين بأنواع من الكلام . النوع الأوّل . { قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم } قال أهل السنة : أمر المؤمنين أن يضموا إلى الإيمان التقوى ، وفيه دلالة على أن الإيمان يبقى مع المعصية . وقالت المعتزلة : أمرهم بالتقوى لكيلا يحبطوا إيمانهم بارتكاب الكبائر بل يزيدوا في الإيمان حتى يتصفوا بصفة الاتقاء .

ثم بين للمؤمنين فائدة الاتقاء قائلاً { للذين أحسنوا } الآية . وقوله { في هذه الدنيا } إما أن يكون صلة لما قبله أو صلة لما بعده وهو قول السدي . ومعناه على الأوّل : الذين أحسنوا في هذه الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة . والتنكير للتعظيم أي حسنة لا يصل العقل إلى كنهها . وعلى الثاني : الذين أحسنوا فلهم في هذه الدنيا حسنة . قال جار الله : فالظرف بيان لمكان الحسنة . ويحتمل أن يقال : إنه نصب على الحال لأنه نعت للنكرة قدّم عليها . والقائلون بهذا القول فسروا الحسنة بالصحة والعافية وضم بعضهم إليها الأمن والكفاية . ورجح الأوّل بأن هذه الأمور قد تحصل للكفار على الوجه الأتم فكيف تجعل جزاء للمؤمن المتقي . وقيل : هي الثناء الجميل . وقيل : الظفر والغنيمة . وقيل : نور القلب وبهاء الوجه . وفي قوله { وأرض الله واسعة } إشارة إلى أن أسباب التقوى إن لم تتيسر في أرض وجبت الهجرة إلى أرض يتيسر ذلك فيها فيكون كقوله { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } [ النساء : 97 ] وعن أبي مسلم : هي أرض الجنة لأنه حين بين أن المتقي له الجنة وصف أرض الجنة بالسعة ترغيباً فيها كما قال { نتبوّأ من الجنة حيث نشاء }[ الزمر : 74 ] { إنما يوفّى الصابرون } على مفارقة الأوطان وتجرّع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وتكاليفه { أجرهم بغير حساب } أي لا يحاسبون أو بغير حصر . قال جار الله : عن النبي صلى الله عليه وسلم " ينصب الله الموازين يوم القيامة فيؤتى بأهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صباً " ثم تلا الآية وقال : حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل .