قوله تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ، وعاصم و يعقوب { ويثبت } بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد . واختلفوا في معنى الآية : فقال سعيد بن جبير ، و قتادة : يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة . وروينا عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ، أو خمس وأربعين ليلة ، قيقول : يا رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب أذكر أم أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص " .
وعن عمر وابن مسعود- رضي الله عنهما - أنهما قالا : يمحو السعادة والشقاوة أيضا ، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني ، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . ومثله عن ابن مسعود . وفي بعض الآثار : أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام ، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة . أخبرنا عبد الواحد المليحي .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أن أبا منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد ابن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني زياد بن محمد الأنصاري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل ، فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت " . وقيل : معنى الآية : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قوله : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوها من كلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، هذا قول الضحاك و الكلبي . وقال الكلبي : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب . وقال عطية عن ابن عباس : هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بطاعة الله ، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذي يثبت . وقال الحسن : يمحو الله ما يشاء أي : من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله . وعن سعيد بن جبير قال : يمحو الله ما يشاء من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها . وقال عكرمة : يمحو الله ما يشاء من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ الفرقان-70 ] ، وقال السدي : يمحو الله ما يشاء يعني القمر { ويثبت } يعني الشمس ، بيانه قوله تعالى : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } [ الإسراء-12 ] . وقال الربيع : هذا في الأرواح يقبضها الله تعالى عند النوم ، فمن أراد موته محاه فأمسكه ، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ، بيانه قوله عز وجل : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } الآية [ الزمر-42 ] ، { وعنده أم الكتاب } ، أي : أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير . وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء . وعن عطاء عن ابن عباس قال : إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } . وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب ؟ فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مظهرا من مظاهر شمول قدرته ، وسعة علمه ، وعظيم حكمته فقال : { يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب } .
وقوله : { يمحوا } من المحو وهو إذهاب أثر الشئ بعد وجوده .
وقوله : { ويثبت } من المحو وهو إذهاب أثر الشئ بعد وجوده .
وقوله : { ويثبت } من الإِثبات وهو جعل الشئ ثابتا قارا في مكان ما .
وأم الكتاب : أصل الكتاب والمراد بأم الكتاب : اللوح المحفوظ ، أو علمه - سبحانه - المحيط بكل شئ .
قال الفخر الرازى : " والعرب تسمى كل ما يجرى مجرى الأصل للشئ أمٍّا له ومنه أمٌّ الرأس للدماغ ، وأم القرى لمكة ، وكل مدينة فهى أُم لما حولها من القرى فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلا لجميع الكتب " .
والمعنى : يمحو الله - تعالى - ما يشاء محوه ، ويثبت ما يريد إثباته من الخير أو الشر ومن السعادة أو الشقاوة ، ومن الصحة أو المرض ، ومن الغنى أو الفقر ، ومن غير ذلك مما يتعلق بأحوال خلقه .
وعنده - سبحانه - الأصل الجامع لكل ما يتعلق بأحوال هذا الكون .
قال - تعالى - : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ . . . } وقال - تعالى - : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء والأرض إِنَّ ذلك فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ } وللمفسرين في معنى هذه الآية كلام طويل ، لخصه الإِمام الشوكانى تلخيصا حسنا فقال :
قوله - سبحانه - : { يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } أى يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه ، وظاهر النظم القرآنى العموم في كل شئ مما في الكتاب ، فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر . . ويبدل هذا بهذا ، ويجعل هذا مكان هذا . لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وقتادة وغيرهم .
وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة . وقيل يمحو ما يشساء من ديوان الحفظة ، وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب .
وقيل " يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه ، ويثبت ما لا يشاء فلا ينسخه . . والأول أولى كما تفيده " ما " في قوله " ما يشاء " من العموم مع تقدم ذكر الكتاب في قوله " لكل أجل كتاب " ومع قوله " وعنده أم الكتاب " أى أصله وهو اللوح المحفوظ .
فالمراد من الآية أنه يمحو ما يشاء مما في اللوح المحفوظ فيكون كالعدم ، ويثبت ما يشاء مما فيه فيجرى فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته .
وهذا لا ينافى ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " جفَّ القلم " وذلك لأن المحو والإِثبات هو من جملة ما قضاه - سحبانه - .
وقيل : إن أم الكتاب هو علم الله - تعالى - : بما خلق وبما هو خالق .
وقوله : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } اختلف المفسرون في ذلك ، فقال الثوري ، ووَكِيع ، وهُشَيْم ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة ، والحياة والموت . وفي رواية : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قال : كل شيء إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .
وقال مجاهد : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ، فإنهما لا يتغيران .
وقال منصور : سألت مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم ، إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ، فسألته عن ذلك ، فقال : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ الدخان : 3 ، 4 ] قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السَّنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما{[15702]} يشاء ويؤخر ما{[15703]} يشاء ، فأما كتاب الشقاوة{[15704]} والسعادة فهو ثابت لا يُغير{[15705]} .
وقال الأعمش ، عن أبي وائل شَقِيق بن سلمة : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . رواه ابن جرير{[15706]} .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن أبي حكيمة{[15707]} عصمة ، عن أبي عثمان النَّهْدي ؛ أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي : اللهم ، إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبًا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة . {[15708]}
وقال حماد عن خالد الحذَّاء ، عن أبي قلابة عن ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا .
ورواه شريك ، عن هلال بن حميد ، عن عبد الله بن عُكَيْم ، عن ابن مسعود ، بمثله .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا خصاف ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ؛ أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } {[15709]} .
ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول{[15710]}بما رواه الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان ، وهو الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجَعْد ، عن ثَوْبَان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبه ، ولا يرد القَدَر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " .
ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان الثوري ، به{[15711]} .
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر{[15712]} وفي الحديث الآخر : " إن الدعاء والقضاء ليعتلجان{[15713]} بين السماء والأرض " {[15714]} .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دَفَّتَان من ياقوت - والدفتان : لوحان - لله ، عز وجل [ كل يوم ثلاثمائة ]{[15715]} وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . {[15716]} وقال الليث بن سعد ، عن زياد بن محمد ، عن محمد بن كعب القُرظي ، عن فُضَالة بن عُبَيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " [ إن الله ]{[15717]} يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وذكر تمام الحديث . رواه ابن جرير . {[15718]} وقال الكلبي : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب . {[15719]} وقال عِكْرِمة ، عن ابن عباس : الكتاب كتابان : فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو - والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، وهو الذي يثبت .
وروي عن سعيد بن جُبَير : أنها بمعنى : { فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 284 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ ، والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت كل ذلك في كتاب .
وقال قتادة في قوله : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } كقوله { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } [ البقرة : 106 ]
وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد في قوله : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قال : قالت كفار قريش حين أنزلت : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فُرغ من الأمر . فأنزلت هذه الآية تخويفا ، ووعيدًا لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت{[15720]} ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .
وقال الحسن البصري : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ } قال : من جاء أجله ، فَذَهَب ، ويثبت الذي هو حيّ يجري إلى أجله .
وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وقوله : { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } قال : الحلال والحرام .
وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .
وقال الضحاك : { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } قال : كتاب عند رب العالمين .
وقال سُنَيد بن داود ، حدثني معتمر ، عن أبيه ، عن سَيَّار ، عن ابن عباس ؛ أنه سأل كعبًا عن " أم الكتاب " ، فقال : عَلِم الله ، ما هو خالق ، وما خَلْقُه عاملون ، ثم قال{[15721]} لعلمه : " كن كتابا " . فكانا{[15722]} كتابا .
وقال ابن جرير ، عن ابن عباس : { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } قال : الذكر ، [ والله أعلم ] . {[15723]}
{ يمحو الله ما يشاء } ينسخ ما يستصوب نسخة . { ويُثبت } ما تقتضيه حكمته . وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها . وقيل يمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلق به جزاء ويترك غيره مثبتا أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه . وقيل يمحو قرنا و يثبت آخرين . وقيل يمحو الفاسدات ويثبت الكائنات . وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " ويُثَّبتُ " بالتشديد . { وعنده أمّ الكتاب } أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه .
وقوله : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي «ويثبّت » بشد الباء . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «ويثبت » بتخفيفها .
وتخبط الناس في معنى هذه الألفاظ ، والذي يتخلص به مشكلها : أن نعتقد أن الأشياء التي قدرها الله تعالى في الأزل وعلمها بحال ما لا يصح فيها محو ولا تبديل ، وهي التي ثبتت في { أم الكتاب } وسبق بها القضاء ، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره من أهل العلم ، وأما الأشياء التي قد أخبر الله تعالى أنه يبدل فيها وينقل كعفو الذنوب بعد تقريرها ، وكنسخ آية بعد تلاوتها واستقرار حكمها -ففيها يقع المحو والتثبيت فيما يقيده الحفظة ونحو ذلك ، وأما إذا رد الأمر للقضاء والقدر فقد محا الله ما محا وثبت ما ثبت . وجاءت العبارة مستقلة بمجيء الحوادث ، وهذه الأمور فيما يستأنف من الزمان فينتظر البشر ما يمحو أو ما يثبت وبحسب ذلك خوفهم ورجاؤهم ودعاؤهم .
وقالت فرقة - منها الحسن - هي في آجال بني آدم ، وذلك أن الله تعالى في ليلة القدر ، وقيل : - في ليلة نصف شعبان - يكتب آجال الموتى فيمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الموتى . وقال قيس بن عباد : العاشر من رجب هو يوم { يمحو الله ما يشاء ويثبت } .
قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص في الآجال أو غيرها لا معنى له ، وإنما يحسن من الأقوال هنا ما كان عاماً في جميع الأشياء ، فمن ذلك أن يكون معنى الآية أن الله تعالى يغير الأمور على أحوالها ، أعني ما من شأنه أن يغير -على ما قدمناه - فيمحوه من تلك الحالة ويثبته في التي نقله إليها{[6982]} . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن عبد الله بن مسعود أنهما كانا يقولان في دعائهما : اللهم إن كنت كتبتنا في ديوان الشقاوة فامحنا وأثبتنا في ديوان السعادة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت .
قال القاضي أبو محمد : وهذا دعاء في غفران الذنوب وعلى جهة انجزع منها . أي اللهم إن كنا شقينا بمعصيتك وكتب علينا ذنوب وشقاوة بها فامحها عنا بالمغفرة ، وفي لفظ عمر في بعض الروايات بعض من هذا ، ولم يكن دعاؤهما البتة في تبديل سابق القضاء ولا يتأول عليهما ذلك .
وقيل : إن هذه الآية نزلت لأن قريشاً لما سمعت قول الله تعالى : { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } ، قال : ليس لمحمد في هذا الأمر قدرة ولا حظ ، فنزلت { يمحو الله ما يشاء ويثبت } أي ربما أذن الله من ذلك فيما تكرهون بعد أن لم يكن يأذن .
وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال : معنى الآية «يمحو الله ما يشاء ويثبت » من أمور عباده إلا السعادة والشقاوة والآجال فإنه لا محو فيها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو ما أحلناه أولاً في الآية .
وحكي عن فرقة أنها قالت : «يمحو الله ما يشاء ويثبت » من كتاب حاشى أمر الكتاب الذي عنده الذي لا يغير منه شيئاً . وقالت فرقة معناه : يمحو كل ما يشاء ويثبت كل ما أراد ، ونحو هذه الأقوال التي هي سهلة المعارضة .
وأسند الطبري عن إبراهيم النخعي أن كعباً قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } . وذكر أبو المعالي في التلخيص : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي قال هذه المقالة المذكورة عن كعب .
قال القاضي أبو محمد : وذلك عندي لا يصح عن علي .
واختلفت أيضاً عبارة المفسرين في تفسير { أم الكتاب } فقال ابن عباس : هو الذكر ، وقال كعب : هو علم الله ما هو خالق ، وما خلقه عاملون{[6983]} .
قال القاضي أبو محمد : وأصوب ما يفسر به { أم الكتاب } أنه كتاب الأمور المجزومة التي قد سبق القضاء فيها بما هو كائن وسبق ألا تبدل ، ويبقى المحو والتثبيت في الأمور التي سبق في القضاء أن تبدل وتمحى وتثبت - قال نحوه قتادة - وقالت فرقة : معنى { أم الكتاب } الحلال والحرام - وهذا قول الحسن بن أبي الحسن .
جملة { يمحوا الله ما يشاء } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن جملة { لكل أجل كتاب } تقتضي أن الوعيد كائن وليس تأخيره مزيلاً له . ولما كان في ذلك تأييس للناس عقب بالإعلام بأن التوبة مقبولة وبإحلال الرجاء محلّ اليأس ، فجاءت جملة { يمحوا الله ما يشاء ويثبت } احتراساً .
وحقيقة المحو : إزالة شيء ، وكثر في إزالة الخط أو الصورة ، ومرجع ذلك إلى عدم المشاهدة ، قال تعالى : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } [ سورة الإسراء : 12 ] . ويطلق مجازاً على تغيير الأحوال وتبديل المعاني كالأخبار والتكاليف والوعد والوعيد فإن لها نسباً ومفاهيم إذا صادفت ما في الواقع كانت مطابقتُها إثباتاً لها وإذا لم تطابقه كان عدم مطابقتها محواً لأنه إزالة لمدلولاتها .
والتثبيت : حقيقته جعل الشيء ثابتاً قاراً في مكان ، قال تعالى : { إذا لقيتم فئة فاثبتوا } [ سورة الأنفال : 45 ] . ويطلق مجازاً على أضداد معاني المحو المذكورة . فيندرج في ما تحتمله الآية عدةُ معانٍ : منها أنه يُعدم ما يشاء من الموجودات ويبقي ما يشاء منها ، ويعفو عما يشاء من الوعيد ويُقرر ، وينسخ ما يشاء من التكاليف ويبقي ما يشاء .
وكل ذلك مظاهر لتصرف حكمته وعلمه وقدرته . وإذ قد كانت تعلقات القدرة الإلهية جارية على وفق علم الله تعالى كان ما في علمه لا يتغير فإنه إذا أوجَدَ شيئاً كان عالماً أنه سيوجده ، وإذا أزال شيئاً كان عالماً أنه سيزيله وعالماً بوقت ذلك .
وأبهم الممحو والمثبت بقوله : { ما يشاء } لتتوجه الأفهام إلى تعرّف ذلك والتدبر فيه لأن تحت ذا الموصول صوراً لا تحصى ، وأسبابُ المشيئة لا تحصى .
ومن مشيئة الله تعالى محوَ الوعيد أن يلهم المذنبين التوبة والإقلاع ويخلق في قلوبهم داعية الامتثال . ومن مشيئة التثبيت أن يصرف قلوب قوم عن النظر في تدارك أمورهم ، وكذلك القول في العكس من تثبيت الخير ومحوه .
ومن آثار المحو تغير إجراء الأحكام على الأشخاص ، فبينما ترى المحارب مبحوثاً عنه مطلوباً للأخذ فإذا جاء تائباً قبل القدرة عليه قُبل رجوعه ورفع عنه ذلك الطلب ، وكذلك إجراء الأحكام على أهل الحرب إذا آمنوا ودخلوا تحت أحكام الإسلام .
وكذلك الشأن في ظهور آثار رضى الله أو غضبه على العبد فبينما ترى أحداً مغضوباً عليه مضروباً عليه المذلة لانغماسه في المعاصي إذا بك تراه قد أقلع وتاب فأعزه الله ونصره .
ومن آثار ذلك أيضاً تقليب القلوب بأن يجعل الله البغضاء محبةً ، كما قالت هند بنتُ عتبة للنبيء صلى الله عليه وسلم بعدَ أن أسلمتْ : « ما كان أهل خباء أحبّ إليّ أن يذلوا من أهل خِبائك واليوم أصبحتُ وما أهل خباء أحب إليّ أن يعزوا من أهل خبائك » .
وقد محا الله وعيد من بقي من أهل مكة فرفع عنهم السيف يوم فتح مكة قبل أن يأتوا مسلمين ، ولو شاء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستئصالهم حين دخوله مكة فاتحاً .
وبهذا يتحصل أن لفظ { ما يشاء } عام يشمل كل ما يشاؤه الله تعالى ولكنه مجمل في مشيئة الله بالمحو والإثبات ، وذلك لا تصل الأدلة العقلية إلى بيانه ، ولم يرد في الأخبار المأثورة ما يبينه إلا القليل على تفاوت في صحة أسانيده . ومن الصحيح فيما ورد من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكونُ بينَه وبينها إلاّ ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " .
والذي يلوح في معنى الآية أن ما في أم الكتاب لا يقبل محواً ، فهو ثابت وهو قسيم لما يشاء الله محوه .
ويجوز أن يكون ما في أم الكتاب هو عين ما يشاءُ الله محوه أو إثباته سواء كان تعييناً بالأشخاص أو بالذوات أو بالأنواع وسواء كانت الأنواع من الذوات أو من الأفعال ، وأن جملة { وعنده أم الكتاب } أفادت أن ذلك لا يطلع عليه أحد .
ويجوز أن يكون قوله : { وعنده أم الكتاب } مراداً به الكتاب الذي كتبت به الآجال وهو قوله : { لكل أجل كتاب } ، وأن المحو في غير الآجال .
ويجوز أن يكون أم الكتاب مراداً به علم الله تعالى ، أي يمحو ويثبت وهو عالم بأن الشيء سيُمحى أو يثبت . وفي تفسير القرطبي عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يمحو الله ما يشاء ويثبت إلاّ السعادة والشقاوة والموت " . وروى مثله عن مجاهد . وروى عن ابن عباس { يمحوا الله ما يشاء ويثبت } إلا أشياء الخَلْقَ بفتح الخاء وسكون اللام والخُلُق بضم الخاء واللام والأجل والرزقَ والسعادة والشقاوة ، { وعنده أم الكتاب } الذي لا يتغيّر منه شيء . قلت : وقد تفرع على هذا قول الأشعري : إن السعادة والشقاوة لا يتبدلان خلافاً للماتريدي .
وعن عمر وابن مسعود ما يقتضي أن السعادة والشقاوة يقبلان المحو والإثبات .
فإذا حمل المحو على ما يجمع معاني الإزالة ، وحُمل الإثبات على ما يجمع معانيَ الإبقاء ، وإذا حمل معنى { أم الكتاب } على معنى ما لا يقبل إزالة ما قرر أنه حاصل أو أنه موعود به ولا يقبل إثبات ما قرر انتفاؤه ، سواء في ذلك الأخبار والأحكام ، كان ما في أم الكتاب قسيماً لما يمحى ويثبت .
وإذا حمل على أن ما يقبل المحو والإثبات معلوم لا يتغيّر علم الله به كان ما في أم الكتاب تنبيهاً على أن التغييرات التي تطرأ على الأحكام أو على الأخبار ما هي إلا تغييرات مقررة من قبلُ وإنما كان الإخبار عن إيجادها أو عن إعدامها مظهراً لما اقتضته الحكمة الإلهية في وقت ما .
و { أم الكتاب } لا محالة شيء مضاف إلى الكتاب الذي ذُكر في قوله : { لكل أجل كتاب } . فإن طريقَة إعادة النكرة بحرف التعريف أن تكون المُعادة عينَ الأولى بأن يجعل التعريف تعريف العهد ، أي وعنده أم ذلك الكتاب ، وهو كتاب الأجل .
فكلمة { أمّ } مستعملة مجازاً فيما يُشبه الأم في كونها أصلاً لما تضاف إليه { أمُّ } لأن الأمّ يتولد منها المولود فكثر إطلاق أمّ الشيء على أصله ، فالأمّ هنا مراد به ما هو أصل للمحو والإثبات اللذيْن هما من مظاهر قوله : { لكل أجل كتاب } ، أي لِما مَحْوُ وإثباتُ المشيئات مظاهرُ له وصادرة عنه ، فأمُّ الكتاب هو علم الله تعالى بما سيريد محوه وما سيريد إثباته كما تقدم .
والعِندية عندية الاستئثار بالعلم وما يتصرف عنه ، أي وفي ملكه وعلمه أمّ الكتاب لا يَطلع عليها أحد . ولكن الناس يرون مظاهرها دون اطلاع على مدى ثبات تلك المظاهر وزوالها ، أي أن الله المتصرف بتعيين الآجال والمواقيت فجعل لكل أجل حداً معيناً ، فيكون أصل الكتاب على هذا التفسير بمعنى كله وقاعدته .
ويحتمل أن يكون التعريف في { الكتاب } الذي أضيف إليه { أم } أصل ما يُكتب ، أي يُقدر في علم الله من الحوادث فهو الذي لا يُغيّر ، أي يمحو ما يشاء ويثبت في الأخبار من وعد ووعيد ، وفي الآثار من ثواب وعقاب ، وعنده ثابتُ التقادير كلها غير متغيرة .
والعندية على هذا عندية الاختصاص ، أي العلم ، فالمعنى : أنه يمحو ما يشاء ويثبت فيما يبلغ إلى الناس وهو يعلم ما ستكون عليه الأشياء وما تستقر عليه ، فالله يأمر الناس بالإيمان وهو يعلم مَن سيؤمن منهم ومن لا يؤمن فلا يفجؤه حادث . ويشمل ذلك نسخَ الأحكام التكليفية فهو يشرعها لمصالح ثم ينسخها لزوال أسباب شرعها وهو في حال شَرْعها يعلم أنها آيلة إلى أن تنسخ .
وقرأ الجمهور { ويثبّت } بتشديد الموحدة من ثبّت المضاعف . وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، ويعقوب { ويُثْبت } بسكون المثلثة وتخفيف الموحدة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يمحو الله ما يشآء}، يقول: ينسخ الله ما يشاء من القرآن، {ويثبت}، يقول: ويقر من حكم الناسخ ما يشاء، فلا ينسخه، {وعنده أم الكتاب}، يعني أصل الكتاب، يقول: الناسخ من الكتاب، والمنسوخ فهو في أم الكتاب، يعني بأم الكتاب اللوح المحفوظ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور عبادِه، فيغيّره، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يُغَيَّران... عن ابن عباس قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال: إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتابٍ سوى أمّ الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد...
[عن] عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول، وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب... وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ الله ينسخ ما يشاء من أحكام كِتَابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسَخُه...
وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله...
وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر... وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهُها بالصّواب، القولُ الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد، وذلك أن الله تعالى ذكره توعَّد المشركين الذين سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الآياتِ بالعقوبة، وتهدَّدهم بها، وقال لهم: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مُثْبَتًا في كتاب، هم مؤخَّرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل. ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل، يجيء الله بما شَاء ممن قد دَنا أجله وانقطع رزقه، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مالٍ، فيقضي ذلك في خلقه، فذلك مَحْوُه، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه...
اختلفَ أهل التأويل في تأويل قوله: (وعنده أم الكتاب)؛
فقال بعضهم: معناه: وعنده الحلال والحرام.
وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحُو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقَّب ذلك بقوله: (وعنده أم الكتاب)، فكان بيِّنًا أن معناه. وعنده أصل المثبّت منه والمَمحوّ، وجملتُه في كتاب لديه.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ويثبت)؛ فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة: "وَيُثَبِّتُ" بتشديد "الباء" بمعنى: ويتركه ويقرُّه على حاله، فلا يمحوه
وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: (وَيُثْبِتُ) بالتخفيف، بمعنى: يكتب..
وقد بيَّنَّا قبلُ أن معنى ذلك عندنا: إقرارُه مكتوبًا وتركُ محْوه على ما قد بيَّنَّا، فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيتُ به أولى، والتشديدُ أصْوبُ من التخفيف، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد، والتشديد إلى التخفيف، لتقارب معنييهما...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
قوله عز وجل: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: يمحو الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران، قاله ابن عباس.
الثاني: يمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء في كتاب سوى أُم الكتاب، وهما كتابان أحدهما: أم الكتاب لا يغيره ولا يمحو منه شيئاً كما أراد، قاله عكرمة.
الثالث: أن الله عز وجل ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه، قاله قتادة وابن زيد.
الرابع: أنه يمحو مَنْ قد جاء أجلُه ويثبت من لم يأت أجلُه، قاله الحسن.
الخامس: يغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفره، قاله سعيد بن جبير.
السادس: أنه الرجل يقدم الطاعة ثم يختمها بالمعصية فتمحو ما قد سلف، والرجل يقدم المعصية ثم يختمها بالطاعة فتمحو ما قد سلف، وهذا القول مأثور عن ابن عباس أيضاً.
السابع: أن الحفظة من الملائكة يرفعون جميع أقواله وأفعاله، فيمحو الله عز وجل منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب، قاله الضحاك.
{وعنده أم الكتاب} فيه ستة تأويلات:
أحدها: الحلال والحرام، قاله الحسن.
الثاني: جملة الكتاب، قاله الضحاك.
الثالث: هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق، قاله كعب الأحبار.
الرابع: هو الذكر، قاله ابن عباس.
الخامس: أنه الكتاب الذي لا يبدل، قاله السدي.
السادس: أنه أصل الكتاب في اللوح المحفوظ، قاله عكرمة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{يَمْحُواْ الله مَا يَشَاء} ينسخ ما يستصوب نسخه، ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته، أو يتركه غير منسوخ... وقيل يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة، ويثبت إيمانهم وطاعتهم. وقيل: يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضاً من الأناسي وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها، والكلام في نحو هذا واسع المجال. {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ، لأنّ كل كائن مكتوب فيه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
تخبط الناس في معنى هذه الألفاظ، والذي يتخلص به مشكلها: أن نعتقد أن الأشياء التي قدرها الله تعالى في الأزل وعلمها بحال ما لا يصح فيها محو ولا تبديل، وهي التي ثبتت في {أم الكتاب} وسبق بها القضاء، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره من أهل العلم، وأما الأشياء التي قد أخبر الله تعالى أنه يبدل فيها وينقل كعفو الذنوب بعد تقريرها، وكنسخ آية بعد تلاوتها واستقرار حكمها -ففيها يقع المحو والتثبيت فيما يقيده الحفظة ونحو ذلك، وأما إذا رد الأمر للقضاء والقدر فقد محا الله ما محا وثبت ما ثبت. وجاءت العبارة مستقلة بمجيء الحوادث، وهذه الأمور فيما يستأنف من الزمان فينتظر البشر ما يمحو أو ما يثبت وبحسب ذلك خوفهم ورجاؤهم ودعاؤهم...
وقالت فرقة -منها الحسن- هي في آجال بني آدم، وذلك أن الله تعالى في ليلة القدر، وقيل: -في ليلة نصف شعبان- يكتب آجال الموتى فيمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الموتى. وقال قيس بن عباد: العاشر من رجب هو يوم {يمحو الله ما يشاء ويثبت}...
وأصوب ما يفسر به {أم الكتاب} أنه كتاب الأمور المجزومة التي قد سبق القضاء فيها بما هو كائن وسبق ألا تبدل، ويبقى المحو والتثبيت في الأمور التي سبق في القضاء أن تبدل وتمحى وتثبت...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
قوله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} اختلف المفسرون في ذلك... ومعنى هذه الأقوال: أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها، ويثبت منها ما يشاء...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم علل ذلك بقوله: {يمحو الله} أي الملك الأعظم {ما يشاء} أي محوه من الشرائع والأحكام وغيرها بالنسخ فيرفعه {ويثبت} ما يشاء إثباته من ذلك بأن يقره ويمضي حكمه كما قال تعالى:
{ما ننسخ من آية أو ننساها} [البقرة:106] إلى قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة:106] كل ذلك بحسب المصالح التابعة لكل زمن، فإنه العالم بكل شيء، وهو الفعال لما يريد لا اعتراض عليه، وقال الشافعي رحمه الله تعالى في الرسالة: يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء...
وقال: {وعنده} مع ذلك {أم} أي أصل {الكتاب} لمن وهمه مقيد بأن الحفظ بالكتابة، وهو اللوح المحفوظ الذي هو أصل كل كتاب...
والمراد -والله أعلم- أنه يكون في أم الكتاب أنا نفعل كذا -وإن كان في الفرع على غير ذلك، فإنه بالنسبة إلى شريعة دون أخرى، فإذا نقضت الشريعة الأولى فإنا نمحوه في أجل كذا، أو يكون المعنى: يمحو ما يشاء من ذلك الكتاب بأن يعدم مضمونه بعد الإيجاد، ويثبت ما يشاء بأن يوجده من العدم وعنده أم الكتاب؛ قال الرازي في اللوامع: وقد أكثروا القول فيها، وعلى الجملة فكل ما يتعلق به المشيئة من الكائنات فهو بين محو وإثبات، محو بالنسبة إلى الصورة التي ارتفعت، إثبات بالنسبة إلى الصورة الثانية، والقضاء الأزلي، والمشيئة الربانية مصدر هذا المحو والإثبات، فذلك هو القضاء وهذا هو القدر، فالقضاء مصدر القدر، والقدر مظهر القضاء، والله تعالى وصفاته منزه عن التغير.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
هذه الآية، لو تمعن فيها القارئ، لعلم أنها في معنى[...] أنهم كانوا يقترحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أوائل البعثة، أن يأتي بآية كآية موسى وعيسى. توهما أن ذلك هو أقصى ما يدل على نبوة النبي في كل زمان ومكان. فأعلمهم الله تعالى أن دور تلك الآيات الحسية انقضى دورها وذهب عصرها. وقد استبعد البشر للتنبه إلى الآية العقلية، وهي آية الاعتبار والتبصر. وإن تلك الآيات محيت كما محي عصرها. وقد أثبت تعالى غيرها مما هو أجلى وأوضح وأدل على الدعوة. وهو قوله تعالى قبلها: {ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} ...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
قال: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب. فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {يمحو الله ما يشاء} مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن جملة {لكل أجل كتاب} تقتضي أن الوعيد كائن وليس تأخيره مزيلاً له. ولما كان في ذلك تأييس للناس عقب بالإعلام بأن التوبة مقبولة وبإحلال الرجاء محلّ اليأس، فجاءت جملة {يمحو الله ما يشاء ويثبت} احتراساً. وحقيقة المحو: إزالة شيء، وكثر في إزالة الخط أو الصورة، ومرجع ذلك إلى عدم المشاهدة، قال تعالى: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} [سورة الإسراء: 12]. ويطلق مجازاً على تغيير الأحوال وتبديل المعاني كالأخبار والتكاليف والوعد والوعيد فإن لها نسباً ومفاهيم إذا صادفت ما في الواقع كانت مطابقتُها إثباتاً لها وإذا لم تطابقه كان عدم مطابقتها محواً لأنه إزالة لمدلولاتها. والتثبيت: حقيقته جعل الشيء ثابتاً قاراً في مكان، قال تعالى: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا} [سورة الأنفال: 45]. ويطلق مجازاً على أضداد معاني المحو المذكورة. فيندرج في ما تحتمله الآية عدةُ معانٍ: منها أنه يُعدم ما يشاء من الموجودات ويبقي ما يشاء منها، ويعفو عما يشاء من الوعيد ويُقرر، وينسخ ما يشاء من التكاليف ويبقي ما يشاء. وكل ذلك مظاهر لتصرف حكمته وعلمه وقدرته. وإذ قد كانت تعلقات القدرة الإلهية جارية على وفق علم الله تعالى كان ما في علمه لا يتغير فإنه إذا أوجَدَ شيئاً كان عالماً أنه سيوجده، وإذا أزال شيئاً كان عالماً أنه سيزيله وعالماً بوقت ذلك. وأبهم الممحو والمثبت بقوله: {ما يشاء} لتتوجه الأفهام إلى تعرّف ذلك والتدبر فيه لأن تحت ذا الموصول صوراً لا تحصى، وأسبابُ المشيئة لا تحصى. ومن مشيئة الله تعالى محوَ الوعيد أن يلهم المذنبين التوبة والإقلاع ويخلق في قلوبهم داعية الامتثال. ومن مشيئة التثبيت أن يصرف قلوب قوم عن النظر في تدارك أمورهم، وكذلك القول في العكس من تثبيت الخير ومحوه. ومن آثار المحو تغير إجراء الأحكام على الأشخاص، فبينما ترى المحارب مبحوثاً عنه مطلوباً للأخذ فإذا جاء تائباً قبل القدرة عليه قُبل رجوعه ورفع عنه ذلك الطلب، وكذلك إجراء الأحكام على أهل الحرب إذا آمنوا ودخلوا تحت أحكام الإسلام...
وبهذا يتحصل أن لفظ {ما يشاء} عام يشمل كل ما يشاؤه الله تعالى ولكنه مجمل في مشيئة الله بالمحو والإثبات، وذلك لا تصل الأدلة العقلية إلى بيانه، ولم يرد في الأخبار المأثورة ما يبينه إلا القليل على تفاوت في صحة أسانيده. ومن الصحيح فيما ورد من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكونُ بينَه وبينها إلاّ ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". والذي يلوح في معنى الآية أن ما في أم الكتاب لا يقبل محواً، فهو ثابت وهو قسيم لما يشاء الله محوه. ويجوز أن يكون ما في أم الكتاب هو عين ما يشاءُ الله محوه أو إثباته سواء كان تعييناً بالأشخاص أو بالذوات أو بالأنواع وسواء كانت الأنواع من الذوات أو من الأفعال، وأن جملة {وعنده أم الكتاب} أفادت أن ذلك لا يطلع عليه أحد. ويجوز أن يكون قوله: {وعنده أم الكتاب} مراداً به الكتاب الذي كتبت به الآجال وهو قوله: {لكل أجل كتاب}، وأن المحو في غير الآجال. ويجوز أن يكون أم الكتاب مراداً به علم الله تعالى، أي يمحو ويثبت وهو عالم بأن الشيء سيُمحى أو يثبت...
و {أم الكتاب} لا محالة شيء مضاف إلى الكتاب الذي ذُكر في قوله: {لكل أجل كتاب}. فإن طريقَة إعادة النكرة بحرف التعريف أن تكون المُعادة عينَ الأولى بأن يجعل التعريف تعريف العهد، أي وعنده أم ذلك الكتاب، وهو كتاب الأجل...
والعِندية عندية الاستئثار بالعلم وما يتصرف عنه، أي وفي ملكه وعلمه أمّ الكتاب لا يَطلع عليها أحد. ولكن الناس يرون مظاهرها دون اطلاع على مدى ثبات تلك المظاهر وزوالها، أي أن الله المتصرف بتعيين الآجال والمواقيت فجعل لكل أجل حداً معيناً، فيكون أصل الكتاب على هذا التفسير بمعنى كله وقاعدته. ويحتمل أن يكون التعريف في {الكتاب} الذي أضيف إليه {أم} أصل ما يُكتب، أي يُقدر في علم الله من الحوادث فهو الذي لا يُغيّر...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. يمحو الله من الآيات ما يشاء منها، ويثبت ما يشاء محوه منها، ويبث ما شاء منها فإذا كانت العصا معجزة في عصر موسى، وأقامت الدليل على رسالة موسى عليه السلام، فإن الله تعالى نسخها، ولا تكون آية لإتيان رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويثبت له آية أخرى، وهي القرآن الكريم، وإذا كان عيسى له آيات خرقت نظام الأسباب والمسببات، فقد نسخها الله تعالى، وأثبت لمحمد معجزة أخرى تناسب رسالته، وتبقى ببقائها، فيثبتها الله تعالى...
يكون المحو، بإلغاء آيات مادية، والإثبات إثبات أخرى، وأن تكون الشرائع السماوية التي جاءت بها الرسل، ينسخ بعضها بعضا، ولكن يبقى الأصل القائم وهو أم الكتاب، وهو التوحيد، والعدل، وإقامة الحق، والإصلاح في الأرض...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
فأم الكتاب هو القسم المحكم من آيات الوحي الإلهي الذي لم يصبه أي محو ولم يلحقه أي نسخ، من العقيدة الأساسية، والشريعة الأصلية، الصالحتين للاستمرار والبقاء، والمتفق عليهما في الكتب الإلهية جمعاء، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13]...