تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ} (39)

وقوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) قال[ أدرج قبلها في الأصل وم : ذلك ] قائلون : قوله : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاء ) المحو ههنا إن شاء في الابتداء يمحو ، ليس على أن كان مثبتا ، فمحاه[ في الأصل وم : فمحا ] ، ولكن أنشأه هكذا يمحو ، وهو كقوله : ( فمحونا آية الليل )[ الإسراء : 12 ] ليس أنه كان مثبتا كذا ، ثم محاه[ في الأصل وم : محا ] ولكن أنشأه في الابتداء[ في الأصل وم : الآية ] يمحو ، وكقوله : ( والله الذي رفع السماوات )[ الرعد : 2 ] ليس أنها كانت موضوعة ، ثم رفعها ، ولكن أنشأها مرتفعة كما في : فعلى ذلك هذا .

ثم يحتمل ذلك الأعمال التي كانت معفوة في الأصل من أعمال الصبيان والأعمال التي لا جزاء عليها .

وقال قائلون : على إحداث محو بعد إثبات ، ثم يحتمل [ ذلك وجوها :

أحدها : يمحو الله ][ في الأصل وم : وجوها ] ما ينسخ من الأحكام : فهو على محو الحكم به والعمل ، ليس على محو نفسه ، ويثبت : وهو ما لا ينسخ ، ولا يترك العمل به والحكم .

والثاني[ في الأصل وم : ويحتمل المحو ] : محو الأحوال ، وهو ما ينقل ، ويحول من حال إلى حال : من حال النطفة إلى حال العلقة ، ومن حال العلقة إلى حال المضغة ؛ يحوله ، وينقله من حال إلى حال أخرى ، فذلك هو المحو .

والثالث[ في الأصل وم : ويحتمل المحو أيضا ] : هو ما يختم به العمر [ من ][ ساقطة من الأصل وم ] السعادة أو الشقاوة إذا كان كافرا ، ثم أسلم في آخر عمره ، محيت الأعمال التي كانت له في حال كفره ، فأبدلت حسنات ، وإذا كان مسلما ، ثم ختم [ عمره ][ ساقطة من الأصل وم ] بالكفر محيت أعماله التي كانت له من الصالحات ، فلم ينتفع[ في الأصل وم : ينتفعوا ] بها .

أو أن يكون للخلق مقاصد في أفعالهم ، والحفظة لا يطلعون على مقاصدهم ، فيكتبون هم ما هو في الحقيقة حسنة بقصده سيئة على ظاهر ما عمل ، أو حسنة في الظاهر ، هو في الحقيقة سيئة ، فيغفر ذلك ، فيجعل ما هو في الحقيقة شر ، وفي الظاهر خير ، شرا بالقصد ، وما هو في الحقيقة خير ، وفي الظاهر شر ، خيرا ، ويكون في كتابة الحفظة ، لكنه من وجه آخر ، وهو أن الحفظة يكتبون الأعمال ، ثم يعارض ذلك بما في اللوح المحفوظ ، فيمحى من كتابة الحفظة من الزيادة ويثبت فيها ما كان من النقصان ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وعنده أم الكتاب ) هذا يحتمل ( وعنده أم الكتاب ) الذي يعارض به كتب الملائكة ، ويحتمل ( وعنده أم الكتاب ) الذي تستنسخ منه الكتب التي أنزلت على الأنبياء والرسل ، وهو اللوح المحفوظ .

وفيه دلالة على أن اختلاف الألسن ، لا يوجب تغيير المعنى ، لأنه لا يدرى أن تلك الكتب في اللوح المحفوظ بأي لسن هي ؟ ثم أنزل منه كل كتاب على لسان الرسول الذي نزل عليه ، وكذلك الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم ، ولا يحتمل أن يكتبوا بلسان الخلق ، لأنه يظهر ، لو كانوا يكتبون بلسان هؤلاء فدل أنهم إنما يكتبون بلسان أنفسهم . فهذا كله يدل أن اختلاف اللسان لا يوجب اختلاف المعنى ، والله أعلم .