نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ} (39)

ثم علل ذلك بقوله : { يمحوا الله } أي الملك الأعظم { ما يشاء } أي محوه من الشرائع والأحكام وغيرها بالنسخ فيرفعه { ويثبت } ما{[44398]} يشاء إثباته من ذلك بأن يقره ويمضي حكمه كما قال تعالى :

{ ما ننسخ من آية{[44399]} أو ننساها{[44400]} }[ البقرة :106 ] إلى قوله تعالى :{ ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }[ البقرة :106 ] كل ذلك بحسب المصالح التابعة{[44401]} لكل زمن ، فإنه العالم بكل شيء ، وهو الفعال لما يريد لا اعتراض عليه ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى في الرسالة{[44402]} : يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء{[44403]} . وإثبات واو " يمحوا " في جميع المصاحف مشير{[44404]} - بما ذكر أهل الله من أن الواو معناه العلو والرفعة - إلى أن بعض الممحوات تبقى آثارها عالية ، فإنه قد يمحو عمر شخص بعد أن كانت له آثار جميلة ، فيبقيها سبحانه وينشرها ويعليها ، وقد يمحو شريعة ينسخها ويبقى منها آثاراً صالحة تدل على ما أثبت من الشريعة الناسخة لها ، وأما حذفها باتفاق المصاحف أيضاً في { يمح الله الباطل } في الشورى{[44405]} مع أنه مرفوع أيضاً ، فللبشارة بإزهاق الباطل إزهاقاً هو النهاية - كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وذلك لمشابهة الفعل بالأمر المقتضي لتحتم{[44406]} الإيقاع بغاية الاتقان والدفاع{[44407]} ، وقال : { وعنده } مع ذلك { أم } أي أصل { الكتاب * } لمن وهمه مقيد بأن الحفظ بالكتابة ، وهو اللوح المحفوظ الذي هو أصل كل كتاب ، وقد تقدم غير مرة أنه الكتاب المبين الذي هو بحيث يبين كل ما طلب علمه منه كلما{[44408]} طلب ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء يثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء - انتهى .

والمراد - والله أعلم - أنه يكون في أم الكتاب أنا نفعل كذا - وإن كان في الفرع على غير ذلك ، فإنه بالنسبة إلى شريعة دون أخرى ، فإذا نقضت الشريعة الأولى فإنا نمحوه في أجل كذا ، أو يكون المعنى : يمحو ما يشاء من ذلك الكتاب بأن يعدم{[44409]} مضمونه بعد الإيجاد ، ويثبت ما يشاء بأن يوجده من العدم وعنده أم الكتاب{[44410]} ؛ قال الرازي في اللوامع : وقد أكثروا القول فيها ، وعلى الجملة فكل ما يتعلق به المشيئة من الكائنات فهو بين محو وإثبات ، محو بالنسبة إلى الصورة التي ارتفعت ، إثبات بالنسبة إلى الصورة الثانية ، والقضاء الأزلي ، والمشيئة الربانية مصدر هذا المحو والإثبات ، فذلك هو القضاء وهذا هو القدر ، فالقضاء مصدر{[44411]} القدر ، والقدر مظهر القضاء{[44412]} ، والله تعالى وصفاته منزه عن التغير .


[44398]:في مد: لما.
[44399]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد، وفي مصحفنا: أو ننسها- راجع سورة 2 آية 106.
[44400]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد، وفي مصحفنا: أو ننسها- راجع سورة 2 آية 106.
[44401]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: المتابعة.
[44402]:راجع باب ابتداء الناسخ والمنسوخ.
[44403]:العبارة من " وقال الشافعي" إلى هنا ساقطة من م.
[44404]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: بمشير.
[44405]:آية 24.
[44406]:في مد: لتحتمي.
[44407]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: الرفاع.
[44408]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: كما.
[44409]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: يقدم- كذا.
[44410]:زيد بعده في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[44411]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: القدرة والقدرة مصدر لقضاء- كذا.
[44412]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: القدرة والقدرة مصدر لقضاء- كذا.