فيمحو{[36531]} الله من ذلك { ما يشاء ويثبت }[ 39 ] ما يشاء ، { وعند أم الكتاب }[ 42 ] .
قال الفراء : هذا مقدم ومؤخر ، معناه : لكل كتاب أجل ، كقوله :
{ وجاءت سكرة الموت بالحق }{[36532]} : أيك سكرة الحق الموت .
( وقد قيل : إنه لا تقديم في{[36533]} هذا ) ، ولا تأخير{[36534]} ، والمعنى : وجاءت سكرة الموت لأن سكرة الموت غير الموت . فالحق : هو الموت الذي ختمه الله على جميع خلقه .
وقيل : معناه : لكل مدة كتاب مكتوب ، وأمر مقدر{[36535]} ، مقضى{[36536]} لا تقف عليه الملائكة{[36537]} .
ثم قال تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت{[36538]} }[ 39 ] أي : يمحو الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره{[36539]} ، إلا الشقاء{[36540]} والسعادة ، فإنهما لا يغيران قاله ابن عباس{[36541]} .
وقال مجاهد : يدبر الله أمر السنة{[36542]} في رمضان ، فيمحو ما يشاء ( من ذلك ){[36543]} إلا الشقاء والسعادة ، والموت والحياة . وتدبير ذلك في ليلة القدر{[36544]} .
وعن ابن عباس أيضا معناه : يمحو ما يشاء ، ويثبت من كتاب{[36545]} سوى ، أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء{[36546]} .
قال ابن عباس : هما كتابان : كتاب يمحو منه ما يشاء ، ويثبت وعند( ه ){[36547]} أم الكتاب : لا يغير منه شيء ، وهو قول عكرمة{[36548]} .
وعن{[36549]} عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : يمحو كل ما يشاء ، ويثبت كل ما{[36550]} أراد وسمع / ، وهو يقول في الطواف : اللهم إن كنت كتبت علي الذنب والشقاء{[36551]} ، فامحني{[36552]} واكتبني في أهل السعادة . فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب . وهو قول ابن مسعود وسفيان{[36553]} .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ، أن معناه : يمحو الله ما يشاء من أحكام كتابه{[36554]} ، فينسخه أو يبدله ، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، ولا يبدله .
{ وعنده أم الكتاب }[ 39 ] أي : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، ما ينسخ ، وما لا ينسخ . وهو اللوح المحفوظ{[36555]} . وهو{[36556]} قول قتادة ، وابن زيد وابن جريج ، وعليه أكثر أهل{[36557]} المعاني ، وعامة المفسرين{[36558]} ، وهو شاهد لجواز{[36559]} النسخ ( في القرآن ){[36560]} .
وقيل : معناه : يمحو الله من قد حان أجله ، ويثبت من لم يحن أجله . قاله الحسن ، قال : { لكل أجل كتاب }[ 39 ] : أي : أجل بني آدم في كتاب الله ، ( عز وجل ){[36561]} يمحو الله ما يشاء ، من جاء أجله ، ويثبت الذي هو حي حتى يجيء أجله{[36562]} .
وعن{[36563]} ابن عباس من{[36564]} رواية أبي صالح ، عنه أنه قال : إن أعمال العباد{[36565]} تعرض على الله مما كتبت الحفظة ، مما ليس للإنسان ، ولا عليه . فيمحو ما ليس له ، وما ليس عليه . ويثبت ماله ، وما عليه ، فيجازى بذلك{[36566]} .
فالحفظة تكتب كل شيء ، والله يمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، دليله قوله تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }{[36567]} : أي : حاضر{[36568]} .
وعن مجاهد رضي الله عنه{[36569]} : أنها نزلت في قريش ، قالت : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وما كان لرسول أن ياتي بآية إلا بإذن الله }[ 39 ] قالت : ما نراك يا محمد تملك من{[36570]} شيء{[36571]} ، ولقد فرغ من الأمر ، فنزلت هذه الآية تخويفا لهم ووعيدا{[36572]} .
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت }[ 39 ] ما يشاء ، أي : إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما نشاء{[36573]} وروي ذلك أيضا ( عن الحسن ){[36574]} .
وعن ابن عباس : أن المعنى ينسخ الله ما يشاء من القرآن ويثبت{[36575]} ما{[36576]} يشاء فلا ينسخه ، وقاله{[36577]} محمد بن كعب . وعن عكرمة مثله{[36578]} .
وروى ابن جبير ، عن ابن عباس في معنى الآية : أن الله جل ذكره يدبر أمر السنة في ليلة القدر ، فيمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء إلا الموت والحياة ، والسعادة والشقاء{[36579]} : وكل ( هذا ) قد تقدم في علمه ، علم ما يكون بلا أمد{[36580]} .
وقيل : المعنى{[36581]} يغفر ما يشاء من ذنوب عباده ، ويترك ما يشاء فلا يغفره قاله ابن جبير{[36582]} .
وقيل : المعنى : يمحو الله ما يشاء مما تكتب الحفظة ، مثل الأشياء التي ليس للإنسان ، ولا عليه ، ويثبت ما له ، وما عليه . قاله أبو صالح{[36583]} ، وقال( ه ){[36584]} أبو سليمان الداراني{[36585]} قال : يمحو الله ما ليس بحسنة ، ولا سيئة ، ويثبت ما هو حسنة ، وما هو سيئة .
{ وعنده أم الكتاب }[ 39 ] أي : ذلك ( كله ){[36586]} في اللوح المحفوظ ، قد جرى به القلم قبل خلق الخلق{[36587]} .
وعن ابن عباس أيضا : / أنه قال في قوله { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }{[36588]} ، قال : يكتب{[36589]} كل ما يتكلم به العبد من خير ، أو شر حتى إنه ليكتب : أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت . حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله جملة . فأقر ما كان فيه من خير وشر ، وألقى ما عدا ذلك وذلك قوله : { يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب }{[36590]} .
واختار جماعة من أهل العلم قول الحسن ومجاهد : يجعلونه جوابا للمشركين{[36591]} .
وقوله : { وعنده أم الكتاب }[ 39 ] قال الحسن : أم الكتاب : الحلال والحرام{[36592]} .
والحمد لله هي أم القرآن{[36593]} .
وقيل : أم الكتاب : اللوح المحفوظ .
وقال قتادة : { أم الكتاب } : جملة{[36594]} الكتاب ، وأصله{[36595]} : أي : جملة ما ينسخ ، وما يثبت .
وقال كعب : علم الله ما هو خالق ، وما يعلم خلقه{[36596]} .
يقال{[36597]} : محوت الكتاب ، أمحوه محوا ، وهي لغة القرآن . ويقال : محوته ، أمحاه ، محوا ، ومحيت ، أمحى لغة{[36598]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.