وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : ينزل الله تعالى في كل شهر رمضان إلى سماء الدنيا ، يدبر أمر السنة إلى السنة في ليلة القدر ، فيمحو ما يشاء ويثبت ، إلا الشقوة والسعادة ، والحياة والممات .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { يمحو الله ما يشاء } هو الرجل ، يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله تعالى فيموت على ضلاله ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت ، الرجل الذي يعمل بمعصية الله تعالى وقد سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله سبحانه وتعالى .
وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : من أحد الكتابين هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت { وعنده أم الكتاب } أي جملة الكتاب .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء ، له دفتان من ياقوت ، والدفتان لوحان لله كل يوم ثلاث وستون لحظة يمحو ما يشاء { ويثبت وعنده أم الكتاب } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل فينسخ الذكر في الساعة الأولى منها ، ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت . ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن ، وهي داره التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر ، لا يسكنها من بني آدم غير ثلاثة : النبيين والصديقين والشهداء ، ثم يقول : طوبى لمن نزلك . ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته ، فتنتفض ، فيقول : قومي بعزتي ، ثم يطلع إلى عباده فيقول : هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيبه ؟ حتى يصلى الفجر ، وذلك قوله ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ( سورة الإسراء ، آية 78 ) يقول : يشهده الله وملائكة الليل والنهار .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت } إلا الشقوة والسعادة ، والحياة والموت " .
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن مردويه ، عن الكلبي - رضي الله عنه - في الآية قال : " يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه " . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ قال : أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رباب الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : " ذلك كل ليلة القدر ، يرفع ويخفض ويرزق ، غير الحياة والموت والشقاوة والسعادة ، فإن ذلك لا يزول " .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر ، عن علي - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال له " لأقرن عينيك بتفسيرها ، ولأقرن عين أمتي بعدي بتفسيرها ، الصدقة على وجهها ، وبر الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحول الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء " .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر .
وأخرج ابن جرير عن قيس بن عباد - رضي الله عنه - قال : العاشر من رجب ، هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن قيس بن عباد - رضي الله عنه - قال : لله أمر في كل ليلة العاشر من أشهر الحرام ، أما العشر من الأضحى ، فيوم النحر . وأما العشر من المحرم ، فيوم عاشوراء . وأما العشر من رجب ، ففيه { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : ونسيت ما قال في ذي القعدة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال وهو يطوف بالبيت : اللهم إن كنت كتبت علي شقاوة أو ذنبا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في الدعاء ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : ما دعا عبد قط بهذه الدعوات ، إلا وسع الله له في معيشته ، يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول ، لا إله إلا أنت ظهر اللاجين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين ، إن كنت كتبتني في أم الكتاب شقيا فامح عني اسم الشقاء ، وأثبتني عندك سعيدا ، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما مقترا علي رزقي ، فامح حرماني ويسر رزقي وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير ، فإنك تقول في كتابك الذي أنزلت { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن السائب بن ملجان من أهل الشام - وكان قد أدرك الصحابة رضي الله عنهم - قال : لما دخل عمر - رضي الله عنه - الشام ، حمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا خطيبا كقيامي فيكم ، فأمر بتقوى الله وصلة الرحم وصلاح ذات البين ، وقال : " عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الإثنين أبعد . لا يخلون رجل بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما ، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته ، فهو أمارة المسلم المؤمن ، وأمارة المنافق الذي لا تسوءه سيئته ولا تسره حسنته ، إن عمل خيرا لم يرج من الله في ذلك ثوابا ، وإن عمل شرا لم يخف من الله في ذلك الشر عقوبة ، وأجملوا في طلب الدنيا فإن الله قد تكفل بأرزاقكم ، وكل سيتم له عمله الذي كان عاملا ، استعينوا الله على أعمالكم ، فإنه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " صلى الله على نبينا محمد وآله وعليه السلام ورحمة الله ، السلام عليكم . قال البيهقي - رضي الله عنه - : هذه خطبة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على أهل الشام ، أثرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه والديلمي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان أبو رومي من شر أهل زمانه ، وكان لا يدع شيئا من المحارم إلا ارتكبه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لئن رأيت أبا رومي في بعض أزقة المدينة ، لأضربن عنقه ، وإن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أتاه ضيف له فقال لامرأته : اذهبي إلى أبي رومي فخذي لنا منه بدرهم طعاما حتى ييسره الله تعالى . فقالت له : " إنك تبعثني إلى أبي رومي وهو من أفسق أهل المدينة ؟ ! . . فقال : اذهبي ، فليس عليك منه بأس إن شاء الله تعالى ، فانطلقت إليه فضربت عليه الباب ، فقال : من هذا ؟ قالت : فلانة . قال : ما كنت لنا بزوارة ، ففتح لها الباب فأخذها بكلام رفث ومد يده إليها ، فأخذتها رعدة شديدة . فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : إن هذا عمل ما عملته قط . قال أبو رومي : ثكلت أبا رومي أمه ، هذا عمل عمله منذ هو صغير لا تأخذه رعدة ولا يبالي ، على أبي رومي عهد الله ، إن عاد لشيء من هذا أبدا ، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " مرحبا بأبي رومي ، وأخذ يوسع له بالمكان ، وقال له يا أبا رومي ، ما عملت البارحة ؟ فقال : ما عسى أن أعمل يا نبي الله ؟ أنا شر أهل الأرض . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد حول مكتبك إلى الجنة . فقال { يمحو الله ما يشاء ويثبت } " .
وأخرج يعقوب بن سفيان وأبو نعيم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان أبو رومي من شر أهل زمانه ، وكان لا يدع شيئا من المحارم إلا ارتكبه ، فلما غدا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد قال : " مرحبا بأبي رومي ، وأخذ يوسع له المكان ، فقال : يا أبا رومي ، ما عملت البارحة ؟ قال : ما عسى أن أعمل يا نبي الله ؟ أنا شر أهل الأرض ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد حول مكتبك إلى الجنة ، فقال { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } " .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : إن الله ينزل كل شيء يكون في السنة في ليلة القدر ، فيمحو ما يشاء من الآجال والأرزاق والمقادير ، إلا الشقاء والسعادة ، فإنهما ثابتان .
وأخرج ابن جرير عن منصور - رضي الله عنه - قال : سألت مجاهدا - رضي الله عنه - فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم ، واجعله في السعداء ؟ . . . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك ، فسألته عن ذلك فقال ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أم حكيم ) ( سورة الدخان ، آية 3 و 4 ) قال : يعني في ليلة القدر ، ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء . فأما كتاب الشقاء والسعادة ، فهو ثابت لا يغير .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : إلا الحياة والموت ، والشقاء و السعادة ، فإنهما لا يتغيران .
وأخرج ابن جرير ، عن شقيق بن أبي وائل قال : كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الدعوات : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء ، فامحنا واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني ، عن ابن مسعود - رضي الله - أنه كان يقول : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء ، فأثبتني في السعداء ، وإن كنت كتبتني في الأشقياء ، فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
وأخرج ابن جرير عن كعب - رضي الله عنه - أنه قال لعمر - رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله ، لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك - رضي الله عنه - في الآية ، قال : يقول : أنسخ ما شئت واصنع في الآجال ما شئت ، وإن شئت زدت فيها وإن شئت نقصت { وعنده أم الكتاب } قال : جملة الكتاب وعلمه ، يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في المدخل ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : يبدل الله ما يشاء من القرآن فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله { وعنده أم الكتاب } يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب الله تعالى .
وأخرج ابن جرير عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : هي مثل قوله ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) ( سورة البقرة ، آية 106 ) وقوله { وعنده أم الكتاب } أي جملة الكتاب وأصله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في الآية قال { يمحو الله ما يشاء } : مما ينزل على الأنبياء { ويثبت } ما يشاء مما ينزل على الأنبياء { وعنده أم الكتاب } لا يغير ولا يبدل .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج - رضي الله عنه - { يمحو الله ما يشاء } قال : ينسخ { وعنده أم الكتاب } قال : الذكر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : يمحو الله الآية بالآية { وعنده أم الكتاب } قال : أصل الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله { لكل أجل كتاب } قال : أجل بني آدم في كتاب { يمحو الله ما يشاء } قال : من جاء أجله { ويثبت } قال : من لم يجيء أجله بعد ، فهو يجري إلى أجله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن - رضي الله عنه - في الآية قال : { يمحو الله } رزق هذا الميت { ويثبت } رزق هذا المخلوق الحي .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - في قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال : يثبت في البطن الشقاء والسعادة ، وكل شيء هو كائن ، فيقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء .
وأخرج الحاكم عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { يمحو الله ما يشاء ويثبت } مخففة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { وعنده أم الكتاب } قال : الذكر .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد - رضي الله عنه - { وعنده أم الكتاب } قال : الذكر .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير ، عن سيار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سأل كعبا رضي الله عنه عن أم الكتاب ، فقال : علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون . فقال لعلمه : كن كتابا . فكان كتابا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي - رضي الله عنه - { وعنده أم الكتاب } يقول : عنده الذي لا يبدل .