غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ} (39)

30

والتحقيق أنه لا حاجة إلى ارتكاب القلب لأن المعية تقتضي التلازم وكانوا ينكرون النسخ في الشرائع وفي التكاليف فنزل :{ يمحو الله ما يشاء ويثبت } أي يثبته فاستغنى بالصريح عن الكناية . والمحو ذهاب أثر الكتابة ونحوها .

وفي الآية قولان : الأول أنها عامة وأنه سبحانه يمحو من الرزق ويزيد فيه كذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر وهو مذهب عمر وابن مسعود ، وقد رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والذاهبون إليه يدعون ويتضرعون إلى الله في أن يجعلهم سعداء إن كانوا أشقياء وهذا لا ينافي قوله : " جف القلم " لأن المحو والإثبات أيضاً من جملة ما قضى به . الثاني أنها خاصة في بعض الأشياء فقيل : أراد نسخ حكم وإثبات آخر مكانه وقد مر تمام البحث في النسخ في " البقرة " في قوله : { ما ننسخ من آية } [ الآية : 106 ] وقيل : يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة لأنهم مأمورون بكتب كل قول وفعل ويثبت غيره . واعترض الأصم عليه بأنه ينافي قوله تعالى { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغير ولا كبيرة إلا أحصاها } [ الكهف : 49 ] وأجاب القاضي بأن المراد صغائر الذنوب وكبائرها . ورد بأن هذا اصطلاح المتكلمين والمفهوم اللغوي أعم فيتناول المباحات أيضاً . وقيل : يمحو بالتوبة ما يشاء من الكفر والمعاصي ويثبت بدلها الحسنة كقوله : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ الفرقان : 70 ] . وقيل : يثبت في أول السنة أحكام تلك السنة فإذا مضت السنة محيت ويثبت كتاب آخر للمستقبل . وقيل : يمحو نور القمر ويثبت نور الشمس أو يمحو الدنيا ويثبت الآخرة . أما قوله : { وعنده أم الكتاب } أي أصله فقيل : هو اللوح المحفوظ . عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان الله ولا شيء ثم خلق اللوح المحفوظ وأثبت فيه أحوال جميع الخلق إلى يوم القيامة " فعلى هذا عند الله كتابان : أحدهما اللوح المحفوظ وإنه لا يتغير ، وثانيهما الذي تكتبه الملائكة على الخلق وهو محل المحو والإثبات . روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله سبحانه في ثلاث ساعات بقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء " وقيل : هو علم الله تعالى المتعلق بجميع الموجودات والمعلومات وإنه لا يتغير ولا يتبدل بتغير المتزمنات وتبدلها ، وقد مر تحقيقه في مواضع .

/خ43