بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ} (39)

قوله تعالى : { يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن قريشاً ، لما نزلت هذه الآية { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [ الرعد : 38 ] قالوا : ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر . فنزلت هذه الآية تخويفاً ، ووعيداً لهم . فإنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما نشاء ، فيمحو الله ما يشاء ، ويثبت ما يشاء من أرزاق العباد ، ومصايبهم ، وما يعطيهم ، وما يقسم لهم . وروى وكيع عن الأعمش ، عن أبي وائل أنه كان يقول في دعائه : اللَّهم إن كنت كتبتنا سعداء ، فأثبتنا . وإن كنت كتبتنا أشقياء ، فامحنا واكتبنا سعداء . فإنك تمحو ما تشاء ، وتثبت ما تشاء ، وعندك أم الكتاب .

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال { يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } إلا الشقاوة ، والسعادة ، والموت ، والحياة . وروى منصور عن مجاهد أنه قال : إلا الشقاوة ، والسعادة ، لا يتغيران . ويقال : { يَمْحُو الله مَا يَشَاء } من أعمال بني آدم . ما كتب الحفظة ما ليس فيه جزاء خير ولا شر

{ وَيُثَبّتْ } ما فيه جزاء خير أو شر . وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إن الحفظة إذا رفعت ديوان العبد ، فإن كان في أوله وآخره خير ، يمحو الله ما بينهما من السيئات ، وإن لم يكن في أوله وآخره حسنات ، يثبت ما فيه من السيئات . وقال مقاتل : { يَمْحُو الله } يعني : ينسخ الله ما يشاء من القرآن ، ويثبت ، ويقر المحكم الناسخ ما يشاء فلا ينسخه . ويقال : { يَمْحُو الله ما يشاء } يعني : المعرفة عن ما يشاء { وَيُثَبّتْ } في قلب من يشاء . وهو مثل قول { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويهدى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } [ الرعد : 27 ] ويقال : يقضي على العبد البلاء ، فيدعو العبد ، فيزول عنه . كما روي في الخبر «الدُّعَاءُ يَرُدُّ البَلاَءَ » .

ثم قال : { وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب } يعني : أصل الكتاب ، وجملته ، وهو اللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء قبل أن يخلقهم .