معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

قوله تعالى : { ثاني عطفه } أي : متبختراً لتكبره . وقال مجاهد ، و قتادة : لاوي عنقه . قال عطية ، و ابن زيد : معرضاً عما يدعى إليه تكبراً . وقال ابن جريج : يعرض عن الحق تكبراً . والعطف : الجانب ، وعطفا الرجل : جانباه عن يمين وشمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء ، نظيره قوله تعالى : { وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً } . وقال تعالى : { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } { ليضل عن سبيل الله } عن دين الله ، { له في الدنيا خزي } عذاب وهوان القتل ببدر ، فقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبراً . { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

{ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله . . . } أى : ليضل غيره ويصرفه عن طاعة الله - تعالى - واتباع طريقه الحق .

وقد نفت الآية الكريمة عن هذا المجادل ، استناده إلى أى دليل أو ما يشبه الدليل ، فهو يجادل فى ذات الله - تعالى - وفى صفاته " بغير علم " يستند إليه وبغير " هدى " يهديه ويرشده إلى الحق وبغير " كتاب منير " أى : وبغير وحى ينير عقله وقلبه ، ويوضح له سبيل الرشاد .

فأنت ترى أن الآية قد جردت هذا المجادل من أى مستند إليه فى جداله سواء كان عقلياً أم نقلياً ، بل أثبتت له الجهالة من جميع الجهات .

ثم صورته السورة الكريمة بعد ذلك بتلك الصورة المزرية ، صورة الجاهل المغرور المتعجرف ، فقال - تعالى - : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله } .

وقوله { ثَانِيَ } من الثَّنْى بمعنى اللَّىِّ والميل عن الاستقامة . يقال : فلان ثنى الشىء إذا رد بعضه على بعض فانثنى أى : مال والتوى .

والعِطْف - بكسر العين - الجانب ، وهذا التعبير كناية عن غرروه وصلفه مع جهله . أى : أنه مع جداله بدون علم ، متكبر معجب بنفسه ، معرض عن الحق ، مجتهد فى إضلال غيره عن سبيل الله - تعالى - وعن الطريق الذى يوصل إلى الرشاد .

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة هذا الجاهل المغرور المضل لغيره فقال : و { لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ } أى : هوان وذله وصغار .

{ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق } أى : ونجعله يوم القيامة يدرك طعم العذاب المحرق . ويصطلى به جزاء غروره وشموخه فى الدنيا بغير حق .

وتقول له ملائكتنا وهى تصب عليه ألوان العذاب { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

والتعبير يرسم صورة لهذا الصنف من الناس . صورة فيها الكبر المتعجرف : ( ثاني عطفه )مائلا مزورا بجنبه . فهو لا يستند إلى حق فيعوض عن هذا بالعجرفة والكبر . ( ليضل عن سبيل الله )فلا يكتفي بأن يضل ، إنما يحمل غيره على الضلال .

هذا الكبر الضال المضل لا بد أن يقمع ، ولا بد أن يحطم : ( له في الدنيا خزي ) فالخزي هو المقابل للكبر . والله لا يدع المتكبرين المتعجرفين الضالين المضلين حتى يحطم تلك الكبرياء الزائفة وينكسها ولو بعد حين . إنما يمهلهم أحيانا ليكون الخزي أعظم ، والتحقير أوقع . أما عذاب الآخرة فهو أشد وأوجع : ( ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

وقوله : { ثَانِيَ عِطْفِهِ } قال ابن عباس وغيره : مستكبرًا عن الحق إذا دعي إليه . وقال مجاهد ، وقتادة ، ومالك عن زيد بن أسلم : { ثَانِيَ عِطْفِهِ } أي : لاوي عنقه ، وهي رقبته ، يعني : يعرض عما يدعى إليه من الحق رقَبَته استكبارًا ، كقوله تعالى : { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ . فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 38 ، 39 ] ، وقال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } [ النساء : 61 ] ، وقال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } [ المنافقون : 5 ] : وقال لقمان لابنه : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } [ لقمان : 18 ] أي : تميله عنهم استكبارًا عليهم ، وقال تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ لقمان : 7 ] .

وقوله : { لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } : قال بعضهم : هذه لام العاقبة ؛ لأنه قد لا يقصد ذلك ، ويحتمل أن تكون لام التعليل . ثم إما أن يكون المراد بها المعاندين{[20041]} ، أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا الخلق الذي يجعله ممن يضل عن سبيل الله .

ثم قال تعالى : { لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } وهو الإهانة والذل ، كما أنه لما استكبر عن آيات الله لَقَّاه الله المذلة في الدنيا ، وعاقبه فيها قبل الآخرة ؛ لأنها أكبر هَمّه ومبلغ علمه ، { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } .


[20041]:- في ت ، ف : "المعاندون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

{ ثاني عطفه } متكبرا وثنى العطف كناية عن التكبر كلي الجيد ، أو معرضا عن الحق استخفافا به . وقرئ بفتح العين أي مانع تعطفه . { ليضل عن سبيل الله } علة للجدال ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه بالإقبال على الجدال الباطل خروج من الهدى إلى الضلال ، وأنه من حيث مؤداه كالغرض له . { له في الدنيا خزي } وهو ما أصابه يوم بدر . { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } المحروق وهو النار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قال الفراء وأبو عبيدة في قوله عز وجل: {ثاني عطفه} يقول: يتبختر في مشيته تكبيرا... {ثاني عطفه} يقول: يلوي عنقه عن الإيمان {ليضل عن سبيل الله} يقول: ليستزل عن دين الإسلام.

{له في الدنيا خزي}... {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} يعني: نحرقه بالنار...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يجادل هذا الذي يجادل في الله بغير علم "ثانِيَ عِطْفِهِ".

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله وصف بأنه يثني عطفه وما المراد من وصفه إياه بذلك؛

فقال بعضهم: وصفه بذلك لتكبره وتبختره، وذكر عن العرب أنها تقول: جاءني فلان ثاني عطفه: إذا جاء متبخترا من الكبر...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لاوٍ رقبته... وقال آخرون: معنى ذلك أنه يُعْرِضُ عما يُدْعَى إليه فلا يسمع له... وهذه الأقوال الثلاثة متقاربات المعنى، وذلك أن من كان ذا استكبار فمن شأنه الإعراضُ عما هو مستكبر عنه ولَيّ عنقه عنه والإعراض.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هذا المخاصم في الله بغير علم أنه من كبره إذا دُعي إلى الله أعرض عن داعيه لوى عنقه عنه ولم يسمع ما يقال له استكبارا.

وقوله: "لِيُضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ "يقول تعالى ذكره: يجادل هذا المشرك في الله بغير علم معرضا عن الحقّ استكبارا، ليصدّ المؤمنين بالله عن دينهم الذي هداهم له ويستزلهم عنه.

"لَهُ فِي الدّنْيا خِزْيٌ" يقول جلّ ثناؤه: لهذا المجادل في الله بغير علم في الدنيا خزي وهو القتل والذلّ والمهانة بأيدي المؤمنين، فقتله الله بأيديهم يوم بدر [جمهور المفسرين على أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث]...

وقوله: "وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ" يقول تعالى ذكره: ونحرقه يوم القيامة بالنار.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وأصل الخزي: الهوان والذل، وهو لما أعرضوا عن عبادة الله ودينه بلوا بعبادة الأصنام واتباع الشيطان، فذلك الخزي لهم في الدنيا. ثم أخبر ماله في الآخرة من الجزاء، فقال: {ويذيقه يوم القيامة عذاب الحريق}.

وعامة أهل التأويل يصرفون الآية إلى واحد منهم، وهو النَضْرُ بْنُ الحارث، ويقولون {له في الدنيا خزي} لأنه أسر يوم بدر، فضرب عنقه، وقتل صبرا. فذلك الخزي له. والحسن يقول: هذا الخزي لجميع الكفرة لأنه لم يزل هذا صنيعهم منذ كانوا، فلهم الخزي في الدنيا...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} فيه وجهان:... والثاني: فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال: هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد، حكاه الضحاك.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

يريد أنه متكبِّر عن قبول الحق، زاهِدٌ في التحصيل، غيرُ واضعٍ نظره موضعه؛ إذ لو فعل ذلك لهان عليه التخلُّص من شُبْهتهِ...

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

وعِطْفَا الرجل: جانباه عن يمين وشمال، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وثني العطف: عبارة عن الكبر والخيلاء، كتصعير الخدّ وليّ الجيد. وقيل: عن الإعراض عن الذكر...

{لِيُضِلَّ} تعليل للمجادلة. قرىء بضم الياء وفتحها. فإن قلت: ما كان غرضه من جداله الضلال {عَن سَبِيلِ الله} فكيف علل به؟ وما كان أيضاً مهتدياً حتى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال؟ قلت: لما أدّى جداله إلى الضلال، جعل كأنه غرضه، ولما كان الهدى معرضاً له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال بالباطل، جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وذلك أن صاحب الكبر يرد وجهه عما يتكبر عنه فهو يرد وجهه يصعر خده ويولي صفحته ويلوي عنقه ويثني عطفه، وهذه هي عبارات المفسرين.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فأما القراءة بضم الياء فدلالة على أن هذا المجادل فعل الجدال وأظهر التكبر لكي يتبعه غيره فيضله عن طريق الحق فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} وهو الإهانة والذل، كما أنه لما استكبر عن آيات الله لَقَّاه الله المذلة في الدنيا، وعاقبه فيها قبل الآخرة؛ لأنها أكبر هَمّه ومبلغ علمه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما دل السياق على أنه أكثف الأقسام طبعاً، عبر عن قصده بقوله: {ليضل} أي غيره {عن سبيل الله} إفهاماً لذلك، لأن هذا لا يقصده عاقل، فالقسم الأول تابع ضال، وهذا داع لأهل الضلال، هذا على قراءة الضم للجمهور، وعلى قراءة الفتح لابن كثير وأبي عمرو... من ضل، تكون من باب التهكم كما تقدم غير مرة، أي إنه من الحذق بحيث لا يذهب عليه أن هذا ضلال، فما وصل إليه إلا بقصده له... ولما ذكر فعله وثمرته، ذكر ما أعد له عليه فقال: {له في الدنيا خزي} اي إهانة وذل وإن طال زمن استدراجه بتنعيمه "حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه "{ونذيقه} أي بما لنا من العظمة {يوم القيامة} الذي يجمع فيه الخلائق بالإحياء بعد الموت {عذاب الحريق} أي بجعله يحس بألم العذاب بالحريق كما يحس الذائق بالشيء كما أحرق قلوب المهتدين بجداله بالباطل.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{ثَانِيَ عِطْفِهِ} أي: لاوي جانبه وعنقه، وهذا كناية عن كبره عن الحق، واحتقاره للخلق، فقد فرح بما معه من العلم غير النافع، واحتقر أهل الحق وما معهم من الحق، {لِيُضِلَّ} الناس، أي: ليكون من دعاة الضلال، ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال، ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية فقال: {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي: يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة، وهذا من آيات الله العجيبة، فإنك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال، إلا وله من المقت بين العالمين، واللعنة، والبغض، والذم، ما هو حقيق به، وكل بحسب حاله.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والتعبير يرسم صورة لهذا الصنف من الناس، صورة فيها الكبر المتعجرف: (ثاني عطفه) مائلا مزورا بجنبه، فهو لا يستند إلى حق فيعوض عن هذا بالعجرفة والكبر. (ليضل عن سبيل الله) فلا يكتفي بأن يضل، إنما يحمل غيره على الضلال. هذا الكبر الضال المضل لا بد أن يقمع، ولا بد أن يحطم: (له في الدنيا خزي) فالخزي هو المقابل للكبر. والله لا يدع المتكبرين المتعجرفين الضالين المضلين حتى يحطم تلك الكبرياء الزائفة وينكسها ولو بعد حين، إنما يمهلهم أحيانا ليكون الخزي أعظم، والتحقير أوقع، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأوجع: (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق)...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

فاستعلاء الباطل يغري باتباعه، وإذلال أهل الحق يغري بتركه إلا من ربط الله تعالى على قلبه.وقد ذكر الله تعالى عند مغالبة الحق والباطل، فقال عز من قائل: {له في الدنيا خزي}، يجعل كلمة الحق هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى، كما كان الخزي في بدر، والأحزاب، وغيرهما، وذلك لا يعفيهم من عذاب الآخرة {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} هو وضعه في جهنم المحرقة نارها، وعبر ب {نذيقه}، لأن الإلقاء في الجحيم من غير أن يذوق حريق النار، ويلهب إحساسه بها- لا يدرك معه حقيقة العذاب، لأن العذاب في ذات الإحساس بالنار.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... فالذي يجادل في الله عن غير علم ولا هدى ولا كتاب منير يثني عنك جانبه، ويلوي رأسه، لأن الكلام لا يعجبه، ليس لأن كلامك باطل، إنما لا يعجبه لأنه أفلس وليست لديه الحجة التي يواجهك بها، فلا يملك إلا هذه الحركة. والقرآن يعطينا التدرج الطبيعي للإعراض عن الحق الذي يبدأ بلي الرأس، ثم الجانب، ثم يعطيك دبره وعرض أكتافه، هذه كلها ملاحظ للفرار من الجدل، حين لا يقوى على الإقناع...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{لَهُ في الدُّنْيَا خزي} لما يمثله الانحراف والضلال من عار وذلّ وفضيحة على صاحبه، لأن جهل الإنسان بالحقائق الواضحة، وابتعاده عن التفكير المنطقي في مواجهة القضايا العامة، يفضحانه في ساحة الصراع الفكري والعقيدي،...