معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال :{ أهم خير أم قوم تبع } أي ليسوا خيراً منهم ، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع . قال قتادة : هو تبع الحميري ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، وبنى سمرقند ، وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وكل واحد منهم يسمى : تبعاً لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير ، فكذبوه وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره . وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا : كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة ، وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيلة ، فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره ، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل ، فأعجبه ذلك وقال : إن هؤلاء لكرام ، فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما : كعب وأسد من أحبار بني قريظة ، عالمان وكانا ابني عم ، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له : أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة . فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد ، مولده مكة ، وهذه دار هجرته . ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه ، وفي عدوهم . قال تبع : من يقاتله وهو نبي ؟ قالا : يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا ، فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة ، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن ، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا : إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة ، قال : أي بيت ؟ قالوا : بيت بمكة ، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك ، فذكر ذلك للأحبار ، فقالوا : ما نعلم لله في الأرض بيتاً غير هذا البيت ، فاتخذه مسجداً وانسك عنده وانحر واحلق رأسك ، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلا أهلك ، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله ، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم ، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح ، وكسا البيت الوصائل ، وهو أول من كسا البيت ، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة ، وأقام به أيام وطاف به وحلق وانصرف ، فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه ، قالوا : لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار ، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه ، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فقال تبع : أنصفتم ، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه ، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه ، فتابعتهما عند ذلك حمير على دينهما ، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن . وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال : كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة ، آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة . وذكر لنا أن كعباً كان يقول : ذم الله قومه ولم يذمه . وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً . وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت .

أخبرنا سعيد الشريحي ، أنبأنا إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو زرعة ابن عمرو بن جرير ، عن سهل بن سعد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم " .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو سعيد إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني ، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أدري تبع أكان نبياً كان أو غير نبي " . { والذين من قبلهم } من الأمم الكافرة . { أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

وقوله - سبحانه - : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ . . . } تهديد لهم على جهالاتهم وإصرارهم على كفرهم .

والمراد بتبع : أبو كريب بن مليك ، ويسمى بتبع الحميرى . وهو أحد ملوك حمير .

وكان مؤمنا ، وقومه كانوا كافرين فأهلكهم الله . وإليه ينسب الأنصار ، ولفظ { تُبَّعٍ } يعد لقبا لكل ملك من ملوك اليمن ، كما أن لقب فرون يعد لقبا لمن ملك مصر كافرا . .

أى : إن هؤلاء الكافرين المعاصرين لك - أيها الرسول الكريم - ليسوا خيرا من قوم تبع ، الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا ، فلما لجوا فى طغيانهم أهلكهم الله - تعالى - وإن مصير هؤلاء المشركين - إذا ما استمروا فى عنادهم - سيكون كمصير قوم تبع . .

فالمقصود من الآية الكريمة تحذير الكافرين من التمادى فى الضلال ، لأن هذا التمادى سيؤدى بهم إلى الخسران ، كما هو حال قوم تبع الذين لا يخفى أمرهم عليهم .

والمراد بمن قبلهم فى قوله - تعالى - : { والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } : الأقوام السابقون على قوم تبع ، كقوم عاد وثمود وغيرهم . أو على هؤلاء الكافرين المعاصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم - .

أى : والذين من قبل قوم تبع أو من قبل قومك من الظالمين ، أهلكناهم لأنهم كانوا قوما مجرمين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

وقبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته ، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية . ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين ، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف ، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير :

( أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ثم قال تعالى متهددًا لهم ، ومتوعدًا ومنذرًا لهم بأسه الذي لا يرد ، كما حل بأشباههم{[26240]} ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث وكقوم تبع - وهم سبأ - حيث أهلكهم الله وخَرَّب بلادهم ، وشردهم في البلاد ، وفرقهم شذر مذر ، كما تقدم ذلك في سورة سبأ ، وهي مُصَدَّرة بإنكار المشركين للمعاد . وكذلك هاهنا شبههم بأولئك ، وقد كانوا عربًا من قحطان كما أن هؤلاء عرب من عدنان ، وقد كانت حمير - وهم سبأ - كلما ملك فيهم رجل سموه تُبَّعًا ، كما يقال : كسرى لمن ملك الفرس ، وقيصر لمن ملك الروم ، وفرعون لمن ملك مصر كافرا ، والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وغير ذلك من أعلام الأجناس . ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند ، واشتد{[26241]} ملكه وعظم سلطانه وجيشه ، واتسعت مملكته وبلاده ، وكثرت رعاياه وهو الذي مَصَّر الحيرة فاتفق أنه مَرَّ بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية ، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار ، وجعلوا يَقْرُونه بالليل ، فاستحيا منهم وكف عنهم ، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة ؛ فإنها مُهَاجَرُ نبي يكون في آخر الزمان ، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن ، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة فنهياه [ عن ذلك ]{[26242]} أيضًا ، وأخبراه بعظمة هذا البيت ، وأنه من بناية إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي

ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان ، فعظمها وطاف بها {[26243]} ، وكساها الملاء والوصائل والحبير . ثم كر راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه ، وكان إذ ذاك دين موسى ، عليه السلام ، فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح ، عليه السلام ، فتهود معه عامة أهل اليمن . وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة{[26244]} وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة ، أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم نذكر{[26245]} . وذكر أنه ملك دمشق ، وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفَّت له من دمشق إلى اليمن ، ثم ساق من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن أبي ذئب{[26246]} ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا ؟ ولا أدري تبع لعينًا{[26247]} كان أم لا ؟ ولا أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكا ؟ " وقال غيره : " أعزيرًا كان نبيًّا أم لا ؟ " . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن محمد بن حماد الظهراني ، {[26248]} عن عبد الرزاق{[26249]} .

قال الدارقطني : تفرد به عبد الرزاق{[26250]} . ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن كُرَيْب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، مرفوعا : " عُزيرُ لا أدري أنبيًّا كان أم لا ؟ ولا أدري ألعين تُبَّع أم لا ؟ " {[26251]} .

ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته ، كما سيأتي . وكأنه - والله أعلم - كان كافرًا ثم أسلم وتابع دين الكليم{[26252]} على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح ، عليه السلام ، وحج البيت في زمن الجُرهُميين ، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستة آلاف بدنة وعظمه وأكرمه . ثم عاد إلى اليمن . وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر ، من طرق متعددة مطولة{[26253]} مبسوطة ، عن أبي بن كعب وعبد الله بن سلام ، وعبد الله بن عباس وكعب الأحبار . وإليه المرجع في ذلك كله ، وإلى عبد الله بن سلام أيضًا ، وهو أثبت وأكبر وأعلم . وكذا روى قصته وهب بن مُنَبِّه ، ومحمد بن إسحاق في السيرة كما هو مشهور فيها . وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة تُبَّع هذا بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل ، فإن تُبَّعًا هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه ، ثم لما مات {[26254]} عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنيران ، فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ ، وقد بسطنا قصتهم هنالك ، ولله الحمد والمنة .

وقال سعيد بن جبير : كسا تبع الكعبة ، وكان سعيد ينهى عن سبه .

وتُبَّع هذا هو تُبَّع الأوسط ، واسمه أسعد أبو {[26255]} كُرَيْب بن مَلْكيكرب{[26256]} اليماني ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستا{[26257]} وعشرين سنة ، ولم يكن في حمير أطول مدة منه ، وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من سبعمائة عام . وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود المدينة أن هذه البلدة مُهَاجَرُ نبي آخر في الزمان{[26258]} ، اسمه أحمد ، قال في ذلك شعرا واستودعه عند أهل المدينة . وكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن سلف . وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره ، وهو :

شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه *** رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَمْ

فَلَو مُدَّ عُمْري إلى عُمْرِهِ*** لَكُنْت وَزيرا له وابن عَمْ

وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ*** وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَمْ

وذكر ابن أبي الدنيا أنه حُفِر قبر بصنعاء في الإسلام ، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين ، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب : " هذا قبر حبي ولميس - وروي : حبي وتماضر - ابنتي تُبَّع ماتتا ، وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا تشركان به شيئًا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما .

وقد ذكرنا في " سورة سبأ " شعر سبأ في ذلك أيضًا .

قال قتادة : ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في تبع : نُعِت نَعْت الرجل الصالح ، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، قال : وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تُبَّعًا ؛ فإنه قد كان رجلا صالحًا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لَهِيعَة عن أبي زُرْعَة - يعني عمرو بن جابر الحضرمي - قال : سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا تُبَّعًا ؛ فإنه قد كان أسلم " .

ورواه الإمام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى ، عن ابن لَهِيعة ، به{[26259]} .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بَزَّة ، حدثنا مؤمل ابن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن سمَاك بن حرب ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا تبعا ؛ فإنه قد أسلم " {[26260]} .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن ابن أبي ذئب ، عن المقْبُري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أدري ، تُبَّع نبيًّا كان أم غير نبي " {[26261]} .

وتقدم بهذا السند من رواية ابن أبي حاتم كما أورده ابن عساكر : " لا أدري تُبَّع كان لعينًا {[26262]} أم لا ؟ " . فالله أعلم .

ورواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى البدي {[26263]} ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفًا .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا عمران أبو الهذيل ، أخبرني تميم بن عبد الرحمن قال : قال عطاء بن أبي رباح : لا تسبوا تُبَّعًا ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى{[26264]} عن سبه{[26265]} .


[26240]:- (5) في ت: "بأشياعهم".
[26241]:- (6) في أ: "واستمد".
[26242]:- (7) زيادة من أ.
[26243]:-(1) في ت: "فمعظم الكعبة فطاف بها".
[26244]:-(2) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (1/19).
[26245]:- (3) تاريخ دمشق (3/500 "القسم المخطوط").
[26246]:- (4) في ت، أ: "ذؤيب".
[26247]:- (5) في ت: "أمينا".
[26248]:- (6) في م: "الطبراني".
[26249]:- (7) ورواه الحاكم في المستدرك (1/36) من طريق عبد الرزاق به، ورواه أبو داود في سننه برقم (4674) من طريق عبد الرزاق به إلا أنه قال: "عزيز" بدل: "ذو القرنين".
[26250]:- (8) قال الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/50): "وحديث عبادة بن الصامت: "إن الحدود كفارة لأهلها" أصح وأثبت سندا" ثم ساقه من طريق البخاري بسنده إلى عبادة بن الصامت.
[26251]:- (9) تاريخ دمشق (3/501 "القسم المخطوط").
[26252]:- (10) في ت، م، أ: "الخليل".
[26253]:- (11) في م: "طويلة".
[26254]:- (12) في ت، م، أ: "توفي".
[26255]:- (1) في ت: "بن".
[26256]:- (2) في م: "مليكرب".
[26257]:- (3) في ت، م، أ: "وستة".
[26258]:- (4) في ت، م، أ: "نبي في آخر الزمان".
[26259]:- (5) المسند (5/340) قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: "فيه ابن لهيعة، وعمرو بن جابر، وهما ضعيفان".
[26260]:- (6) المعجم الكبير (11/296) وقال الهيثمي في المجمع (8/769: "فيه أحمد بن أبي بزة المكي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
[26261]:- (7) ورواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي (3/270) من طريق عبد الرزاق بهذا اللفظ.
[26262]:- (1) في أ: "نبيا".
[26263]:- (2) في أ: "المدني".
[26264]:- (3) في ت، أ: "قد نهى".
[26265]:- (4) تفسير عبد الرزاق (2/171).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبّعٍ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير ، أم قوم تُبّع ، يعني تُبّعا الحِمْيريّ . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : أهُمْ خَيرٌ ، أمْ قَوْمُ تَبّعٍ قال : الحميريّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أهُمْ خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبّعٍ ذُكر لنا أن تبعا كان رجلاً من حمير ، سار بالجيوش حتى حَيْر الحيرة ، ثم أتى سمرقند فهدمها . وذُكر لنا أنه كان إذا كَتَبَ كَتَب باسم الذي تسمّى وملك برّا وبحرا وصحا وريحا . وذُكر لنا أن كعبا كان يقول : نُعِتَ نَعْتَ الرّجُلِ الصّالح ذمّ الله قومَه ولم يذمه . وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تُبّعا ، فإنه كان رجلاً صالحا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قالت عائشة : كان تبّع رجلاً صالحا . وقال كعب : ذمّ قومه ولم يذمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن تميم بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، أن تُبّعا كسا البيت ، ونهى سعيد عن سبه .

وقوله : وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ يقول تعالى ذكره : أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها ، يقول : فليس هؤلاء بخير من أولئك ، فنصفح عنهم ، ولا نهلكهم ، وهم بالله كافرون ، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا .

وقوله : إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ يقول : إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم إنما أهلكناهم لإجرامهم ، وكفرهم بربهم . وقيل : إنهم كانوا مجرمين ، فكُسرت ألف «إن » على وجه الابتداء ، وفيها معنى الشرط استغناء بدلالة الكلام على معناها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

قوله تعالى : { أهم خير } الآية تقرير فيه وعيد ، و : { تبع } ملك حميري ، وكان يقال لكل ملك منهم : { تبع } ، إلا أن المشار إليه في هذه الآية رجل صالح من التبابعة . قال كعب الأحبار : ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، ونهى العلماء عن سبه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق سهل بن سعد : أن تبعاً هذا أسلم وآمن بالله ، وروي أن ذلك كان على يد أهل كتاب كانوا بحضرته{[10242]} . وقال ابن عباس : كان { تبع } نبياً . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أدري أكان { تبع } نبياً أم غير نبي ؟ »{[10243]} . وقال ابن جبير : هو الذي كسا الكعبة ، وقد ذكره ابن إسحاق في السيرة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنهم كانوا مجرمين } يريد بالكفر . وقرأت فرقة : «أنهم » بفتح الألف . وقرأ الجمهور بكسرها .


[10242]:أخرجه أحمد، والطبراني، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وذكره الإمام السيوطي في الدر المنثور، ولفظه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تسبوا تبع فإنه كان قد أسلم).
[10243]:ترجم الحافظ بن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة لتبع، وذكر أنه ملك دمشق، ثم ساق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما أدري، الحدود طهارة لأهلها أم لا؟ ولا أدري تبع لعينا كان أم لا؟ ولا أدري ذو القرنين نبيا كان أم ملكا)، وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن حماد الظهراني، عن عبد الرزاق، وقال عبد الرزاق أيضا: أخبرنا معمر عن ابن أبي ذؤيب عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أدري تبع نبيا كان أم غير نبي).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

استئناف ناشىء عن قوله : { ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون } [ الدخان : 17 ] فضمير { هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله : { إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى } [ الدخان : 34 ، 35 ] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم . وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين .

والمعنى : أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم .

والاستفهام في { أهم خير أم قوم تبع } تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة . والمراد بالخيرية التفضيل في القوة والمنعة ، كما قال تعالى بعد ذكر قوم فرعون { أكفاركم خيرٌ من أُولئكم } في سورة القمر ( 43 ) . وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ .

وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت ، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة . قيل سمّوه تُبّعاً باسم الظل لأنه يَتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس ، ومعنى ذلك : أنه يسير بغزاوته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس ، كما قال تعالى في ذي القرنين { فاتّبع سبباً حتى إذا بلغ مغرب الشمس } إلى قوله : { لم نجعل لهم من دونها ستراً } [ الكهف : 85 90 ] ، وقيل لأنه تتبعه ملوك مخاليف اليمن ، وتخضع له جميع الأقيال والأذواء من ملوك مخاليف اليمن وأذوائه ، فلذلك لُقِّبَ تُبّعاً لأنه تتبعه الملوك .

وتُبّع المراد هُنا المسمّى أسعد والمُكَنَّى أبا كَرِب ، كان قد عظم سلطانه وغزا بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وبلغ العراق . ويقال : إنه الذي بنى مدينة الحِيرة في العراق ، وكانت دولة تُبّع في سنة ألف قبل البعثة المحمدية ، وقيل كان في حدود السبعمائة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه ، قالت عائشة : ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه .

والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره أنه قال : « لا تسبوا تُبعاً فإنه كان قد أسلم وفي رواية كان مؤمناً » وفسره بعض العلماء بأنه كان على دين إبراهيم عليه السلام وأنه اهتدى إلى ذلك بصحبة حبْرَين من أحبار اليهود لقيهما بيثرب حين غزاها وذلك يقتضي نجاته من الإهلاك . ولعل الله أهلك قومه بعد موته أو في مغيبه .

وجملة { أهلكناهم } مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به . وجملة { إنهم كانوا مجرمين } تعليل لمضمون جملة { أهلكناهم } ، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم ، أي شركهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {أهم خير أم قوم تبع}؛ لأن قوم تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة.

{والذين من قبلهم} من الأمم الخالية.

{أهلكناهم} بالعذاب.

{إنهم كانوا مجرمين} يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير أم قوم تُبّع، يعني تُبّعا الحِمْيريّ.

"وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ": أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها: فليس هؤلاء بخير من أولئك فنصفح عنهم ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا.

"إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ": إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم؛ إنما أهلكناهم لإجرامهم، وكفرهم بربهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليس في هذا جواب لقولهم: {فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} ولم يأت بجواب ذلك؛ وإنما كان لأنهم لم يستحقّوا الجواب لهذا السؤال، لأنهم سألوا ذلك تعنُّتا وعنادا، ويحتمل أن يكون في هذا جواب قولهم وسؤالهم الآية المُخترعة.

وفي الآية دلالة على البعث أيضا في وجهين: {أهم خير أم قوم تُبّع} ومن ذكر، أي أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء؟ وهم علموا أن أولئك أشدّ قوة وبطشا، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله إذ نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث، فأنتم دون أولئك، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب الذي نزل بكم؟ وهو كقوله: {أكُفّاركم خير من أولئكم} [القمر: 43]، وإذا لم يتهيأ لهم الدفع، ومن سنّته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق؛ لذلك لم يُعطهم الآية التي سألوا، والله أعلم.

وأما الثاني، وهو أنه لما أخبر أن تعذيب أولئك الكَفرة لتكذيب الرسل وإنكار البعث فدلّ أن البعث حقٌّ حتى يستحقّ مُنكِرُه العذاب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أهم خير أم قوم تبع} استفهام على سبيل الإنكار..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً؛ لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين؛ لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكراً عليهم: {أهم خير} أي في الدين والدنيا.

{أم قوم تبع} أي الذين ملك بهم تبع... وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع هو أول من كسا البيت...

ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال: {والذين من قبلهم} أي من مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.

ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: {أهلكناهم} أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يعسرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً.

{مجرمين} أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية، ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف ناشئ عن قوله: {ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون} [الدخان: 17] فضمير {هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله: {إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى} [الدخان: 34، 35] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون، وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم. وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه؛ لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين.

والمعنى: أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم.

والاستفهام في {أهم خير أم قوم تبع} تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة.

وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ.

وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة...

وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه.

وجملة {أهلكناهم} مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به.

وجملة {إنهم كانوا مجرمين} تعليل لمضمون جملة {أهلكناهم}، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم، أي شركهم.