النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

قوله عز وجل : { أَهُمْ خَيرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } فيه وجهان :

أحدهما : أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً .

الثاني : أهم أعز وأشد أم قوم تبع .

وحكى قتادة أن تبعاً كان رجلاً من حِمير سار بالجيوش حتى عبر{[2578]} الحيرة وأتى سمرقند فهدمها . وحكي لنا أنه كان إذا{[2579]} كتب ؛ كتب باسم الله الذي سما وملك براً وبحراً وضحاً وريحاً{[2580]} .

وروي عن عمرو بن رجاء عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم . وحكى ابن قتيبة في المعارف شعراً ذكر أنه لتبع وهو :

منح البقاءَ تقلبُ الشمسِ *** وطلوعها من حيث لا تُمْسِي

وشروقها بيضاء صافية *** وغروبُها حمراءَ كالورْسِ

وتشتت الأهواءِ أزعجني *** سيراً لأبلغ مطلع الشمسِ

ولرب مطعمةٍ يعود لها *** رأي الحليم إلى شفا لبسِ{[2581]}

وفي تسميته تبعاً قولان :

أحدهما : لأنه تَبعَ من قبله من ملوك اليمن كما قيل خليفة لأنه خلف من قبله .

الثاني : لأنه اسم لملوك اليمن .

وذم الله قومه ولم يذمه ، وضرب بهم مثلاً لقريش لقربهم من دارهم ، وعظمهم في نفوسهم ، فلما أهلكهم الله ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك .


[2578]:في الأصول حير ولعله تحريف من النساخ.
[2579]:في ع إذا كتب.
[2580]:وضحا وريحا هكذا وردثا بالأصول ولم أعثر فيما تيسر لدى من مراجع على توضيح لهاتين الكلمتين وربما كان المراد الذي ملك الضحى والريح.
[2581]:جاء ذكر البيت الأول في شرح شذور الذهب وقطر الندى لابن هشام الأنصاري وأضاف بيتا آخر لم يرد هنا وهو: اليوم أعلم ما يجيء به ومضي بفصل قضائه أمس وقد جاء هذا البيت شاهدا في بناء أمس على الكسر. وقيل أن الأبيات لا سقف نجران.