تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

الآية 37 وقوله تعالى : { أهم خير أم قوم تُبّع والذين من قبلهم أهلكناهم } ليس في هذا جواب لقولهم : { فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } ولم يأت بجواب ذلك ، وإنما كان لأنهم لم يستحقّوا الجواب لهذا السؤال ، لأنهم سألوا ذلك [ تعنُّتا وعنادا ]{[19126]} .

ويحتمل أن يكون في هذا جواب قولهم وسؤالهم الآية المُخترعة .

وفي الآية دلالة على البعث أيضا [ في وجهين :

أما الأول : فإنه ]{[19127]} أخبر عن قوم تُبّع ومن ذكر من الأمم الخالية ، كانوا يُنكرون رسالة رسلهم ، ويكذّبونهم ، ويوعدُهم الرسل بالعذاب والهلاك ، فيكذّبونهم أيضا في ما يوعدون من البعث ، فجاءهم الهلاك ، فيقول : { أهم خير أم قوم تُبّع } ومن ذكر ، أي أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء ؟ وهم علموا أن أولئك أشدّ قوة وبطشا ، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله إذ نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث ، فأنتم دون أولئك ، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب الذي نزل بكم ؟ وهو كقوله : { أكُفّاركم خير من أولئكم } [ القمر : 43 ] .

وإذا لم يتهيأ لهم الدفع ، ومن سنّته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة ، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق . لذلك لم يُعطهم الآية التي سألوا ، والله أعلم .

وأما الثاني ، وهو أنه لما أخبر أن تعذيب أولئك الكَفرة لتكذيب الرسل وإنكار البعث ، فدلّ أن البعث حقٌّ حتى يستحقّ مُنكِرُه العذاب ، والله أعلم .

وذُكر أن تُبّعا كان رجلا صالحا ، وعائشة رضي الله عنها تقول : لا تسُبّوا تُبّعا فإنه كان رجلا صالحا ، وذُكر أنه كان رسولا ، وقد ذكرنا نعته ، والله أعلم .


[19126]:في الأصل وم: تعنت وعناد.
[19127]:في الأصل وم: بيان الأول أنه.