الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {أهم خير أم قوم تبع}؛ لأن قوم تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة.

{والذين من قبلهم} من الأمم الخالية.

{أهلكناهم} بالعذاب.

{إنهم كانوا مجرمين} يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير أم قوم تُبّع، يعني تُبّعا الحِمْيريّ.

"وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ": أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها: فليس هؤلاء بخير من أولئك فنصفح عنهم ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا.

"إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ": إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم؛ إنما أهلكناهم لإجرامهم، وكفرهم بربهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليس في هذا جواب لقولهم: {فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} ولم يأت بجواب ذلك؛ وإنما كان لأنهم لم يستحقّوا الجواب لهذا السؤال، لأنهم سألوا ذلك تعنُّتا وعنادا، ويحتمل أن يكون في هذا جواب قولهم وسؤالهم الآية المُخترعة.

وفي الآية دلالة على البعث أيضا في وجهين: {أهم خير أم قوم تُبّع} ومن ذكر، أي أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء؟ وهم علموا أن أولئك أشدّ قوة وبطشا، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله إذ نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث، فأنتم دون أولئك، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب الذي نزل بكم؟ وهو كقوله: {أكُفّاركم خير من أولئكم} [القمر: 43]، وإذا لم يتهيأ لهم الدفع، ومن سنّته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق؛ لذلك لم يُعطهم الآية التي سألوا، والله أعلم.

وأما الثاني، وهو أنه لما أخبر أن تعذيب أولئك الكَفرة لتكذيب الرسل وإنكار البعث فدلّ أن البعث حقٌّ حتى يستحقّ مُنكِرُه العذاب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أهم خير أم قوم تبع} استفهام على سبيل الإنكار..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً؛ لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين؛ لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكراً عليهم: {أهم خير} أي في الدين والدنيا.

{أم قوم تبع} أي الذين ملك بهم تبع... وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع هو أول من كسا البيت...

ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال: {والذين من قبلهم} أي من مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.

ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: {أهلكناهم} أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يعسرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً.

{مجرمين} أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية، ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف ناشئ عن قوله: {ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون} [الدخان: 17] فضمير {هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله: {إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى} [الدخان: 34، 35] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون، وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم. وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه؛ لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين.

والمعنى: أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم.

والاستفهام في {أهم خير أم قوم تبع} تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة.

وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ.

وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة...

وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه.

وجملة {أهلكناهم} مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به.

وجملة {إنهم كانوا مجرمين} تعليل لمضمون جملة {أهلكناهم}، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم، أي شركهم.