قوله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما } ، يعني : شقاقاً بين الزوجين ، والخوف بمعنى اليقين ، وقيل : هو بمعنى الظن ، يعني : إن ظننتم شقاق بينهما ، وجملته : أنه إذا ظهر بين الزوجين شقاق ، واشتبه حالهما ، فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ، ولا المرأة ، تأدية الحق ، ولا الفدية ، وخرجا إلى ما لا يحل قولاً وفعلاً ، بعث الإمام حكماً من أهله إليه ، وحكماً من أهلها إليها ، رجلين حرين عدلين ، ليستطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كان رغبته في الصلح أو في الفرقة ، ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليها رأيهما من الصلاح ، فذلك .
قوله تعالى : { فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً } يعني : الحكمين .
قوله تعالى : { يوفق الله بينهما } ، يعني : بين الزوجين ، وقيل : بين الحكمين .
قوله تعالى : { إن الله كان عليماً خبيراً } .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا الثففي عن أيوب عن ابن شيرين عن عبيدة أنه قال في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ، قال : جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع كل أحد منهما قوم من الناس فأمرهم علي رضي الله عنه فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ثم قال للحكمين : أتدريان ما عليكما ؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي ، فقال الرجل : أما فرقة فلا ، فقال علي رضي الله عنه : كذبت والله ، حتى تقر بمثل الذي أقرت به . واختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزوجين ، وأصح القولين أنه لا يجوز إلا برضاهما ، وليس لحكم الزوج أن يطلق إلا بإذنه ، ولا حكم المرأة أن يختلع على مالها إلا بإذنها ، وهو قول أصحاب الرأي لأن علياً رضي الله عنه ، حين قال الرجل : أما الفرقة فلا ؟ قال : كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به . فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقراره ورضاه . والقول الثاني : يجوز بعث الحكمين دون رضاهما ، ويجوز لحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ، ولحكم المرأة أن يختلع دون رضاها ، إذا رأيا الصلاح ، كالحاكم يحكم بين الخصمين وإن لم يكن على وفق مرادهما ، وبه قال مالك ، ومن قال بهذا قال : ليس المراد من قول علي رضي الله عنه للرجل حتى تقر : أن رضاه شرط ، بل معناه : أن المرأة رضيت بما في كتاب الله فقال الرجل : أما الفرقة فلا ، يعني : الفرقة ليست في الكتاب الله ، فقال علي : كذبت ، حيث أنكرت أن الفرقة في كتاب الله ، بل هي في كتاب الله ، فإن قوله تعالى : { يوفق الله بينهما } يشتمل على الفراق وغيره ، لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الوزر ، وذلك تارة يكون بالفراق ، وتارةً بصلاح حالهما في الوصلة .
ثم بين - سبحانه - ما يجب عمله إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فقال - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَآ إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } .
والمراد بالخوف هنا العلم . والخطاب لولاة الأمور وصلحاء الأمة . وقيل لأهل الزوجين .
والمراد بالشقاق ما يحصل بين الزوجين من خلاف ومعاداة . وسمى الخلاف شقاقاً لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه ، أو لأن كل واحد من الزوجين صار فى شق وجانب غير الذى فيه صاحبه .
وقوله { شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } أصله شقاقا بينهما . فأضيف الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى لمفعول فيه إتساعا . كقوله - تعالى - { بَلْ مَكْرُ الليل والنهار } وأصله بل مكر فى الليل والنهار .
وإما على إجرائه مجرى الفاعل بجعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين . كما فى قولك : نهارك صائم .
والمعنى : وإن علمتم أيها المؤمنون أن هناك خلافا بين الزوجين قد يتسبب عنه النفور الشديد ، وانقطاع حبال الحياة الزوجية بينهما ، ففى هذه الحالة عليكم أن تبعثوا { حَكَماً } أى رجلا صالحا عاقلا أهلا للإِصلاح ومنع الظالم من الظلم { مِّنْ أَهْلِهِ } أى من أهل الزوج وأقاربه { وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } أى من أقارب الزوجة بحيث يكون على صفة الأول : لأن الأقارب فى الغالب أعرف ببواطن الأحوال ، وأطلب للإِصلاح ، وتسكن إليهم النفس أكثر من غيرهم .
وعلى الحكمين فى هذه الحالة أن يستكشفا حقيقة الخلاف ، وان يعرفا هل الإِصلاح بين الزوجين ممكن أو أن الفراق خير لهما ؟ .
وظاهر الأمر فى قوله { فابعثوا } أنه للوجوب ، لأنه من باب رفع المظالم ورفع المظالم من الأمور الواجبة على الحكام .
وظاهر وصف الحكمين بان يكون أحدهما من أهل الزوج والثانى من أهل الزوجة . أن ذلك شرط على سبيل الوجوب ، إلا أن كثيرا من العلماء حمله على الاستحباب ، وقالا : إذا بعث القاضى بحكمين من الأجانب جاز ذلك ، لأن فائدة بعث الحكمين استطاع حقيقة الحال بين الزوجين ، وهذا أمر يستطيعه الأقارب وغير الأقارب إلا أنه يستحب الأقارب فيه لأنهم أعرف بأحوال الزوجين ، وأشد طلباً للإِصلاح ، وأبعد عن الظنة والريبة ، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس .
والضمير فى قوله - تعالى - { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً } يجوز أن يعود للحكمين ويجوز أن يكون للزوجين . وكذلك الضمير فى قوله { يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَآ } يحتمل أن يكون للحكمين وأن يكون للزوجين .
والأولى جعل الضمير الأول للحكمين والثانى للزوجين فيكون المعنى : إن يريدا أى الحكمان إصلاحا بنية صحيح وعزيمة صادقة ، يوفق الله بين الزوجين بإلقاء الألفة والمودة فى نفسيهما ، وانتزاع أسباب الخلاف من قلبيهما .
هذا ، وقد اختلف العلماء فيما يتولاه الحكمان ، أيتوليان الجمع والتفريق بين الزوجين بدون . إذنهما أم ليس لهما تنفيذ أمر يتعلق بالزوجين إلا بعد استئذانهما ؟ .
يرى بعضهم أن للحكمين أن يلزما الزوجين بما يريانه بدون إذنهما ، لأن الله - تعالى - سماهما حكمين ، والحكم هو الذى بحسم الخلاف بما تقتضيه المصلحة سواء أرضى المحكوم عليه أم لم يرض ؛ ولأن القاضى هو الذى كلفهما بهذه المهمة فلما أن يتصرفا بما يريانه خيراً بدون إذن الزوجين ؛ ولأن عليا - رضى الله عنه - عندما بعث الحكمين لحسم الخلاف الذى نشب بين أخيه عقيل وبين زوجته قال لهما : أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتم أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما . . .
وإلى هذا الرأى اتجه ابن عباس والشعبى ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم .
ويرى الحسن وأبو حنيفة وغيرهما أنه ليس للحكمين أن يفرقا بين الزوجين إلا رضاهما لأنهما وكيلان للزوجين ، ولأن الآية الكريمة قد بينت أن عملها هو الإصلاح فإن عجزا عنه فقد انتهت مهمتهما ، ولأن الطلاق من الزوج وحده ، ولا يتولاه غيره إلا بالنيابة عنه .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } أى : إنه - سبحانه - عليهم بظواهر الأمور وبواطنها . خبير بأحوال النفوس وطرق علاجها ، ولا يخفى عليه شئ من تصرفات الناس وأعمالهم ، وسيحاسبهم عليها .
فالجملة الكريمة تذييل المقصود منه الوعيد للحكمين إذا ما سلكوا طريقا يخالف الحق والعدل .
وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بينتا جانبا هاما مما يجب للرجال على النساء ، ومما يجب للنساء على الرجال ، فقد مدحت أولاهما النساء الصالحات المطيعات الحافظات لحق أزواجهن ، ورسمت العلاج الناجع الذى يجب على الرجال أن يستعملوه إذا ما حدث نشوز من زوجاتهم ، وحذرت الرجال من البغى على النساء إذا ما تركن النشوز وعدن إلى الطاعة والاستقامة { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } . ثم طلبت الآية الثانية من ولاة الأمور وصلحاء الأمة أن يتدخلوا بين الزوجين إذا ما نشب خلاف بينهما ، وأن يكون هذا التدخل عن طريق حكمين عدلين عاقلين يتوليان الإِصلاح بينهما ، ويقضيان بما فيه مصلحة الزوجين ، وقد وعد - سبحانه - بالتوفيق بين الزوجين متى صلحت النيات ، وصفت النفوس ، ومالت القلوب نحو التسامح والتعاطف قال - تعالى - { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَآ إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } .
وبهذا التشريع الحكيم تسعد الأمم والأسر ، وتنال ما تصبوا إليه من رقى واستقرار
وبعد هذا البيان الحكيم الذى ساقته السورة الكريمة فيما يتعلق بأحكام الأسرة ووسائل استقرارها ، وعلاج ما يكون بين الزوجين من أسباب النزاع . .
بعد هذا البيان الحكيم عن ذلك أخذت السورة الكريمة فى دعوة الناس إلى عبادة الله وحده ، وإلى التحلى بمكارم الأخلاق ، ونهتهم عن الإِشراك بالله - تعالى - ، وعن الغرور والبخل والرياء ، وغير ذلك من الأعمال التى ترضى الشيطان وتغضب الرحمن فقال - تعالى - : { واعبدوا الله . . . حَدِيثاً } .
ذلك حين لا يستعلن النشوز ، وإنما تتقى بوادره . فأما إذا كان قد استعلن ، فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت . إذا لا قيمة لها إذن ولا ثمرة . وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخير ! وهذا ليس المقصود ، ولا المطلوب . . وكذلك إذا رئي أن استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي ، بل سيزيد الشقة بعدًا ، والنشوز استعلانًا ؛ ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة . أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة . . في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير ؛ لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار . قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار :
( وإن خفتم شقاق بينهما ، فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها . إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما . إن الله كان عليمًا خبيرًا ) . .
وهكذا لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية ؛ ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح ، وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار - الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة - فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإسلام ؛ بقدر خطورتها في بناء المجتمع ، وفي إمداده باللبنات الجديدة ، اللازمة لنموه ورقية وامتداده .
إنه يلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة - عند خوف الشقاق - فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلًا . . ببعث حكم من أهلها ترتضيه ، وحكم من أهله يرتضيه . يجتمعان في هدوء . بعيدين عن الانفعالات النفسية ، والرواسب الشعورية ، والملابسات المعيشية ، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين . طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة ، وتعقد الأمور ، وتبدو - لقربها من نفسي الزوجين - كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما . حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين . مشفقين على الأطفال الصغار . بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر - كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف - راغبين في خير الزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار . . وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين ، لأنهما من أهلهما : لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار . إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها ، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها !
يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح . فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح ، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة ، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين ، يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق :
إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما . .
فهما يريدان الإصلاح ، والله يستجيب لهما ويوفق . .
وهذه هي الصلة بين قلوب الناس وسعيهم ، ومشيئة الله وقدره . . إن قدر الله هو الذي يحقق ما يقع في حياة الناس . ولكن الناس يملكون أن يتجهوا وأن يحاولوا ؛ وبقدر الله - بعد ذلك - يكون ما يكون .
ويكون عن علم بالسرائر وعن خبرة بالصوالح :
وهكذا نرى - في هذا الدرس - مدى الجدية والخطورة في نظرة الإسلام إلى المرأة وعلاقات الجنسين ومؤسسة الأسرة ، وما يتصل بها من الروابط الاجتماعية . . ونرى مدى اهتمام المنهج الإسلامي بتنظيم هذا الجانب الخطير من الحياة الإنسانية . ونطلع على نماذج من الجهد الذي بذله هذا المنهج العظيم ، وهو يأخذ بيد الجماعة المسلمة - التي التقطها من سفح الجاهلية - في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة على هدى الله . الذي لا هدى سواه . .
{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } . .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما } وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما ، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه ، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور ، فأما من المرأة فالنشوز ، وتركها أداء حقّ الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها¹ وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف ، أو تسريحها بإحسان . والشقاق : مصدر من قول القائل : شاق فلان فلانا : إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشقّ عليه من الأمور ، فهو يشاقه مشاقة وشقاقا¹ وذلك قد يكون عداوة ، كما :
حدثنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما } قال : إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقّته ، يقول : عادته .
وإنما أضيف الشقاق إلى البين ، لأن البين قد يكون اسما ، كما قال جلّ ثناؤه : «لَقدْ تقطّعَ بَيْنُكُمْ » في قراءة من قرأ ذلك .
وأما قوله : { فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وحَكَما مِنْ أهْلِها } فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الاَية من المأمور ببعثة الحكمين ، فقال بعضهم : المأمور بذلك : السلطان الذي يرفع ذلك إليه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة : يعظها ، فإن انتهت وإلا هجرها ، فإن انتهت وإلا ضربها ، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان ، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، فيقول الحكم الذي من أهلها : يفعل بها كذا ، ويقول الحكم الذي من أهله : تفعل به كذا ، فأيهما كان الظالم ردّه السلطان وأخذ فوق يديه ، وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع .
حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما ، فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } قال : بل ذلك إلى السلطان .
وقال آخرون : بل المأمور بذلك الرجل والمرأة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإنْ خِفُتمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِه وَحَكَما مِنْ أهْلِها } إن ضربها فإن رجعت فإنه ليس له عليها سبيل ، فإن أبت أن ترجع وشاقته ، فليبعث حكما من أهله وتبعث حكما من أهلها .
ثم اختلف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان ، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما ، وكيف وجه بعثهما بينهما ؟ فقال بعضهم : يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما ، وليس لهما أن يعملا شيئا في أمرهما إلا ما وكلاهما به ، أو وكله كل واحد منهما بما إليه ، فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه ، أو توكيل من وكل منهما في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة ، قال : جاء رجل وامرأته بينهما شقاق إلى عليّ رضي الله عنه ، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فقال عليّ رضي الله عنه : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا ، وإن رأيتما أن تفرّقا أن تفرّقا . قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولى . وقال الرجل : أما الفرقة فلا . فقال عليّ رضي الله عنه : كذبتَ ، والله لا تنقلب حتى تقرّ بمثل الذي أقرّت به .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، وعبد الله بن عون ، عن محمد : أن عليا رضي الله عنه أتاه رجل وامرأته ، ومع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأمرهما عليّ رضي الله عنه أن يبعثا حكما من أهله وحكما من أهلها لينظرا . فلما دنا منه الحكمان ، قال لهما عليّ رضي الله عنه : أتدريان مالكما ؟ لكما إن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما ، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما . قال هشام في حديثه : فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعليّ فقال الرجل : أما الفرقة فلا . فقال عليّ : كذبت والله حتى ترضى مثل ما رضيت به . وقال ابن عون في حديثه : كذبت ، والله لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : شهدت عليا رضي الله عنه ، فذكر مثله .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : إذا هجرها في المضجع وضربها ، فأبت أن ترجع وشاقته ، فليبعث حكما من أهله وتبعث حكما من أهلها¹ تقول المرأة لحكمها : قد وليتك أمري ، فإن أمرتني أن أرجع رجعت ، وإن فرّقت تفرّقنا . وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئا من الأشياء ، وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع ، أو تخبره أنها لا تريد الطلاق . ويبعث الرجل حكما من أهله يوليه أمره ، ويخبره يقول له حاجته إن كان يريدها ، أو لا يريد أن يطلقها ، أعطاها ما سألت وزادها في النفقة ، وإلا قال له : خذ لي منها مالها عليّ وطلقها ! فيوليه أمره ، فإن شاء طلق ، وإن شاء أمسك . ثم يجتمع الحكمان فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه ، ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه ، فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز ، إن طلقا وإن أمسكا ، فهو قول الله : { فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } ، فإن بعثت المرأة حكما وأبي الرجل أن يبعث ، فإنه لا يقربها حتى يبعث حكما .
وقال آخرون : إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان ، غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ، ليحملهما على الواجب لكلّ واحد منهما قِبَل صاحبه لا التفريق بينهما . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، وهو قول قتادة ، إنهما قالا : إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه¹ وأما الفرقة فليست في أيديهما ، ولم يملكا ذلك ، يعني : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِه وَحَكَما مِنْ أهْلِها } . . . الاَية ، إنما يبعث الحكمان ليصلحا ، فإن أعياهما أن يصلحا شهدا على الظالم ولبس بأيديهما فرقة ، ولا يملّكان ذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن قيس بن سعد ، قال : سألت عن الحكمين ، قال : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهله ، فما حكم الحكمان من شيء فهو جائز¹ يقول الله تبارك وتعالى : { إن يُرِيدا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } قال : يخلو حكم الرجل بالزوج ، وحكم المرأة بالمرأة ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : اصدُقني ما في نفسك ! فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه اجتمع الحكمان وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقا لتصدقني الذي قال لك صاحبك ، ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي ! فذاك حين أرادا الإصلاح يوفق الله بينهما ، فإذا فعلا ذلك اطلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه ليه ، فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما ، فأتيا عله ، فحكما عليه . فإن كانت المرأة قالا : أنت الظالمة العاصية ، لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحقّ وتطيعي الله فيه . وإن كان الرجل هو الظالم ، قالا : أنت الظالم المضارّ لا تدخل لها بيتا حتى تنفق عليها وترجع إلى الحقّ والعدل . فإن كانت هي الظالمة العاصية أخذ منها مالها ، وهو له حلال طيب ، وإن كان هو الظالم المسيء إليها المضارّ لها طلقها ، ولم يحلّ له من مالها شيء ، فإن أمسكها أمسكها بما أمر الله وأنفق عليها وأحسن إليها .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين : حكما من أهله وحكما من أهلها ، فيقول الحكم من أهلها : يا فلان ما تنقم من زوجتك ؟ فيقول : أنقم منها كذا وكذا . قال : فيقول : أفرأيت إن نَزَعَتْ عما تكره إلى ما تحبّ ، هل أنت متقي الله فيها ومعاشرها بالذي يحقّ عليك في نفقتها وكسوتها ؟ فإذا قال نعم ، قال الحكم من أهله : يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان ؟ فتقول مثل ذلك ، فإن قالت : نعم ، جمع بينهما . قال : وقال عليّ رضي الله عنه : الحكمان بهما يجمع الله وبهما يفرّق .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن : الحكمان يحكمان في الاجتماع ، ولا يحكمان في الفرقة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { واللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ } وهي المرأة التي تنشز على زوجها ، فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك ، وهو بعد ما تقول لزوجها : والله لا أبرّ لك قسما ، ولاَذننّ في بيتك بغير أمرك . ويقول السلطان : لا نجيز لك خلعا . حتى تقول المرأة لزوجها : والله لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أقيم لك صلاة ، فعند ذلك يقول السلطان : اخلع المرأة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { واللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ } قال : تعظها ، فإن أبت وغلبت فاهجرها في مضجعها . فإن غلبت هذا أيضا فاضربها . فإن غلبت هذا أيضا ، بُعث حكم من أهله حكم من أهلها . فإن غلبت هذا أيضا وأرادت غيره ، فإنّ أبي كان يقول : ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء ، إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا : أنت يا فلان ظالم ، انزع ! فإن أبى رفعا ذلك إلى السلطان ، ليس إلى الحكمين من الفراق شيء .
وقال آخرون : بل إنما يبعث الحكمين السلطان على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما ، فأمر الله سبحانه أن يبعثوا رجلاً صالحا من أهل الرجل ، ومثله من أهل المرأة ، فينظران أيهما المسيء ، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة ، وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ، ومنعوها النفقة . فإن اجتمع رأيهما على أن يفرّقا أو يجمعا ، فأمرهما جائز . فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الاَخر ثم مات أحدهما ، فإن الذي رضي يرث الذي كره ، ولا يرث الكاره الراضي ، وذلك قوله : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا } قال : هما الحكمان يوفق الله بينهما .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا عوف ، عن محمد بن سيرين : أن الحكم من أهلها والحكم من أهله يفرّقان ويجمعان إذا رأيا ذلك { فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر : قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سألت سعيد بن جبير عن الحكمين ، فقال : لم أولد إذ ذاك ، فقلت : إنما أعني حكم الشقاق ، قال : يقبلان على الذي جاء الأذى من عنده ، فإن فعل وإلا أقبلا على الاَخر ، فإن فعل ، وإلا حكما ، فما حكما ، فما حكما من شيء فهو جائز .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن عامر في قوله : { فابْعَثُوا حَكَمَا مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } قال : ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن داود ، عن إبراهيم ، قال : ما حكما من شيء فهو جائز¹ إن فرقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين فهو جائز ، وإن فرقا بتطليقة فهو جائز . وإن حكما عليه بهذا من ماله فهو جائز ، فإن أصلحا فهو جائز ، وإن وضعا من شيء فهو جائز .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا حبان ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } قال : ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما ، إن طلقا ثلاثا فهو جائز عليهما ، وإن طلقها واحدة أو طلقها على جُعْل فهو جائز ، وما صنعا من شيء فهو جائز .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : إن شاء الحكمان أن يفرّقا فرّقا ، وإن شاءا أن يجمعا جمعا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن الشعبي : أن امرأة نشزت على زوجها ، فاختصموا إلى شريح ، فقال شريح : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ! فنظر الحكمان في أمرهما ، فرأيا أن يفرّقا بينهما ، فكره ذلك الرجل ، فقال شريح : ففيم كانا اليوم ؟ وأجاز قولهما .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عباس ، قال : بعثت أنا ومعاوية حكمين . قال معمر : بلغني أن عثمان رضي الله عنهما بعثهما ، وقال لهما : إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : ثني ابن أبي مليكة : أن عقيل بن أبي طالب تزوّج فاطمة ابنة عتبة ، فكان بينهما كلام ، فجاءت عثمان فذكرت ذلك له ، فأرسل ابن عباس ومعاوية ، فقال ابن عباس : لأفرّقنّ بينهما ! وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف ! فأتياهما وقد اصطلحا .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } يكونان عدلين عليهما وشاهدين . وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان ، جعل عليهما حكمين : حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة ، يكونان أمينين عليهما جميعا . وينظران من أيهما يكون الفساد ، فإن كان من قِبَل المرأة أُجبرت على طاعة زوجها ، وأمر أن يتقي الله ويحسن صحبتها وينفق عليها بقدر ما آتاه الله¹ إمْساكٌ بِمَعْرُوف أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ . وإن كانت الإساءة من قبل الرجل أُمر بالإحسان إليها ، فإن لم يفعل قيل له : أعطها حقها ، وخلّ سبيلها ! وإنما يلي ذلك منهما السلطان .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله : { فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } أن الله خاطب المسلمين بذلك ، وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ، ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض . وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان ، الذي هو سائس أمر المسلمين ، أو من أقامه في ذلك مُقام نفسه .
واختلفوا في الزوجين والسلطان ، ومَن المأمور بالبعثة في ذلك : الزوجان ، أو السلطان ؟ ولا دلالة في الاَية تدلّ على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأمة فيه مختلفة .
وإذ كان الأمر على ما وصفنا ، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون مخصوصا من الاَية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها . وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الاَية ، والأمر بقوله : { فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } إذ كان مختلفا بينهما هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا ؟ وكان ظاهر الاَية قد عمهما¹ فالواجب من القول إذ كان صحيحا ما وصفنا أن يقال : إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكما من قبله ، لينظر في أمرهما ، وكان لكل واحد منهما ممن بعثه من قبله في ذلك طاقة على صاحبه ولصاحبه عليه ، فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه ، وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع ، كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكله به وذلك أن يوكله أحدهما بماله دون ما عليه ، أو لم يوكل كل واحد من الزوجين بماله وعليه ، أو بما له ، أو بما عليه ، فليس للحكمين كليهما إلا ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما . وإن لم يوكلهما واحدا منها بشيء ، وإنما بعثاهما للنظر ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما ، لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلاق أو أخذ مال أو غير ذلك ، ولم يلزم الزوجين ولا واحدا منهما شيء من ذلك .
فإن قال قائل : وما معنى الحكمين إذ كان الأمر على ما وصفت ؟ قيل : قد اختلف في ذلك ، فقال بعضهم : معنى الحكم : النظر العدل ، كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه ، الذي :
حدثنا به يحيى بن أبي طالب ، عن يزيد ، عن جويبر ، عنه : لا ، أنتما قاضيان تقضيان بينهما .
على السبيل التي بينا من قوله .
وقال آخرون : معنى ذلك : أنهما القاضيان يقضيان بينها ما فوّض إليهما الزوجان . وأيّ الأمرين كان فليس لهما ولا لواحد منهما الحكم بينهما بالفرقة ، ولا بأخذ مال إلا برضا المحكوم عليه بذلك ، وإلا ما لزم من حقّ لأحد الزوجين على الاَخر في حكم الله ، وذلك ما لزم الرجل لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف إن كان هو الظالم لها . فأما غير ذلك فليس ذلك لهما ولا لأحد من الناس غيرهما ، لا السلطان ، ولا غيره¹ وذلك أن الزوج إن كان هو الظالم للمرأة فللإمام السبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حقّ ، وإن كانت المرأة هي الظالمة زوجها الناشزة عليه ، فقد أباح الله له أخذ الفدية منها وجعل إليه طلاقها على ما قد بيناه في سورة البقرة . وإذ كان الأمر كذلك لم يكن لأحد الفرقة بين رجل وامرأة بغير رضا الزوج ، ولا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه ، إلا بحجة يجب التسلم لها من أصل أو قياس . وإن بعث الحكمين السلطانُ ، فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك ، ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضا المرأة¹ يدلّ على ذلك ما قد بيناه قَبْلُ من فعل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك ، والقائلين بقوله . ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين ، ويتعرّفا الظالم منهما من المظلوم ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما . وإنما قلنا : ليس لهما التفريق للعلة التي ذكرناها آنفا ، وإنما يبعث السلطان الحكمين إذا بعثهما إذا ارتفع إله الزوجان ، فشكا كل واحد منهما صاحبه ، وأشكل عليه المحقّ منهما من المبطل ، لأنه إذا لم يشكل المحقّ من المبطل ، فلا وجه لبعثة الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه .
القول في تأويل قوله تعالى : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا } : إن يرد الحكمان إصلاحا بين الرجل والمرأة ، أعني بين الزوجين المخوف شقاق بينهما ، يقول : يوفق الله بين الحكمين ، فيتفقا على الإصلاح بينهما ، وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه من بعث للنظر في أمر الزوجين .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، في قوله : { إنْ يُرِيدا إصْلاحا } قال : أما إنه ليس بالرجل والمرأة ، ولكنه الحكمان .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } قال : هما الحكمان ، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } وذلك الحكمان ، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحقّ والصواب .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } يعني بذلك الحكمين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا } قال : إن يرد الحكمان إصلاحا أصلحا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُما } : يوفق الله بين الحكمين .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، قوله : { إنْ يُرِيدَا إصْلاحا } قال : هما الحكمان إذا نصحا المرأة والرجل جميعا .
القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما خَبِيرا } .
يعني جلّ ثناؤه : إن الله كان عليما بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين وغيره ، خبيرا بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما ، لا يخفى عليه شيء منه ، حافظ عليهم ، حتى يجازي كلاّ منهم جزاءه بالإحسان إحسانا ، وبالإساءة غفرانا أو عقابا .
قسمت هذه الآية النساء تقسيماً عقلياً ، لأنها إما طائعة ، وإما ناشزة ، والنشز إما من يرجع إلى الطواعية ، وإما من يحتاج إلى الحكمين ، واختلف المتأولون أيضاً في الخوف ها هنا حسب ما تقدم ، ولا يبعث الحكمان إلا مع شدة الخوف ، و «الشقاق » : مصدر شاق يشاق ، وأجري «البين » مجرى الأسماء وأزيل عنه الظرفية ، إذ هو بمعنى حالهما وعشرتهما وصحبتهما ، وهذا من الإيجاز الذي يدل فيه الظاهر على المقدر ، واختلف من المأمور ب «البعثة » ، فقيل : الحاكم ، فإذا أعضل على الحاكم أمر الزوجين ، وتعاضدت عنده الحجج ، واقترنت الشبه ، واغتم وجه الإنفاذ على أحدهما ، بعث حكمين من الأهل ليباشرا الأمر ، وخص الأهل لأنهم مظنة العلم بباطن الأمر ، ومظنة الإشفاق بسبب القرابة ، وقيل : المخاطب الزوجان وإليهما تقديم الحكمين ، وهذا في مذهب مالك ، والأول لربيعة وغيره{[4011]} .
واختلف الناس في المقدار الذي ينظر فيه الحكمان ، فقال الطبري : قالت فرقة : لا ينظر الحكمان إلا فيما وكلهما به الزوجان وصرحا بتقديمهما عليه ، ترجم بهذا ثم أدخل عن علي غيره ، وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره : ينظر الحكمان في الإصلاح ، وفي الأخذ والإعطاء ، إلا في الفرقة فإنها ليست إليهما ، وقالت فرقة : ينظر الحكمان في كل شيء ، ويحملان على الظالم ، ويمضيان ما رأياه من بقاء أو فراق ، وهذا هو مذهب مالك والجمهور من العلماء ، وهو قول علي بن أبي طالب في المدونة وغيرها ، وتأول الزجّاج عليه غير ذلك ، وأنه وكل الحكمين على الفرقة ، وأنها للإمام ، وذلك وهم من أبي إسحاق{[4012]} .
واختلف المتأولون في من المراد بقوله : { إن يريدا إصلاحاً } فقال مجاهد وغيره : المراد الحكمان ، أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما ، وقالت فرقة : المراد الزوجان ، والأول أظهر ، وكذلك الضمير في { بينهما } ، يحتمل الأمرين والأظهر أنه للزوجين ، والاتصاف ب «عليم خبير » يشبه ما ذكر من إرادة الإصلاح .
عطف على جملة " والتي تخافون نشوزهن " [ النساء : 34 ] وهذا حكم أحوال أخرى تعرض بين الزوجين ، وهي أحوال الشقاق من مخاصمة ومغاضبة وعصيان ، ونحو ذلك من أسباب الشقاق ، أي دون نشوز من المرأة .
والمخاطب هنا وُلاَة الأمور لا محالة ، وذلك يرجّح أن يكونوا هم المخاطبين في الآية التي قبلها .
والشِّقَاق مصدرٌ كَالمُشَاقّة ، وهو مشتقّ من الشِّق بكسر الشين أي الناحية . لأنّ كلّ واحد يصير في ناحية ، على طريقة التخييل ، كما قالوا في اشتقاق العدوّ : إنّه مشتقّ من عدوة الوادي . وعندي أنّه مشتقّ من الشَّقّ بفتح الشين وهو الصدع والتفرّع ، ومنه قولهم : شقّ عصا الطاعة ، والخلاف شقاق . وتقدّم في سورة البقرة ( 137 ) عند قوله تعالى : { وإن تولوا فإنما هم في شقاق } وأضاف الشقاق إلى ( بين ) . إمّا لإخراج لفظ ( بين ) عن الظرفية إلى معنى البعد الذي يتباعده الشيئان ، أي شقاقَ تباعد ، أي تجَاف ، وإمّا على وجه التوسّع ، كقوله بل مكر اليل وقول الشاعر :
ومن يقول بوقوع الإضافة على تقدير ( في ) يجعل هذا شاهداً له كقوله : { هذا فراق بيني وبينك } [ الكهف : 78 ] ، والعرب يتوسّعون في هذا الظرف كثيراً ، وفي القرآن من ذلك شيء كثير ، ومنه قوله : { لقد تقطع بينكم } [ الأنعام : 94 ] في قراءة الرفع .
وضمير { بينهما } عائد إلى الزوجين المفهومين من سياق الكلام ابتداء من قوله : { الرجال قوامون على النساء } [ النساء : 4 ] .
والحكم بفتحتين الحاكم الذي يُرضى للحكومة بغير ولاية سابقة ، وهو صفة مشبّهة مشتقّة من قولهم : حكّموه فحكُم ، وهو اسم قديم في العربية ، كانوا لا ينصبون القضاة ، ولا يتحاكمون إلاّ إلى السيف ، ولكنّهم قد يرضون بأحد عقلائهم يجعلونه حكماً في بعض حوادثهم ، وقد تحاكم عامر بن الطُّفيل وعلقمة بن عُلاَثَةَ لدى هَرِم بن سنان العبسي ، وهي المحاكمة التي ذكرها الأعشى في قصيدته الرائية القائل فيها :
عَلْقَمَ ما أنتَ إلى عامر *** الناقضِ الأوتارِ والواتر
وتحاكم أبناء نزار بن معدّ بن عدنان إلى الأفعى الجُرهمي ، كما تقدّم في هذه السورة .
والضميران في قوله : { من أهله } و { من أهلها } عائدان على مفهومين من الكلام : وهما الزوج والزوجة ، واشترط في الحكمين أن يكون أحدهما من أهل الرجل والآخر من أهل المرأة ليكونا أعلم بدخلية أمرهما وأبصر في شأن ما يرجى من حالهما ، ومعلوم أنّه يشترط فيهما الصفات التي تخوّلهما الحكم في الخلاف بين الزوجين . قال ملك : إذا تعذّر وجود حكمين من أهلهما فيبعث من الأجانب ، قال ابن الفرس : « فإذا بعث الحاكم أجنبيّين مع وجود الأهل فيشبه أن يقال ينتقض الحكم لمخالفة النصّ ، ويشبه أن يقال ماض بمنزلة ما لو تحاكموا إليهما » . قلت : والوجه الأوّل أظهر . وعند الشافعية كونهما من أهلهما مستحبّ فلو بعثا من الأجانب مع وجود الأقارب صحّ .
والآية دالّة على وجوب بعث الحكمين عند نزاع الزوجين النزاعَ المستمرّ المعبّر عنه بالشقاق ، وظاهرها أنّ الباعث هو الحاكم ووليّ الأمر ، لا الزوجان ، لأنّ فعل { ابعثوا } مؤذن بتوجيههما إلى الزوجين ، فلو كانا معيّنين من الزوجين لما كان لفعل البعث معنى . وصريح الآية : أنّ المبعوثين حكمان لا وكيلان ، وبذلك قال أيمّة العلماء من الصحابة والتابعين . وقضى به عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفّان ، وعلي بن أبي طالب ، وقاله ابن عباس ، والنخعي ، والشعبي ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق . وعلى قول جمهور العلماء فما قضى به الحكمان من فرقة أو بقاء أو مخالعة يمضي ، ولا مقال للزوجين في ذلك لأنّ ذلك معنى التحكيم ، نعم لا يَمنع هؤلاء من أن يوكّل الزوجان رجلين على النظر في شؤونهما ، ولا من أن يحكّما حكمين على نحو تحكيم القاضي . وخالف في ذلك ربيعة فقال : لا يحكم إلاّ القاضي دون الزوجين ، وفي كيفية حكمهما وشروطه تفصيل في كتب الفقه .
وتأوّلت طائفة قليلة هذه الآية على أنّ المقصود بعث حكمين للإصلاح بين الزوجين وتعيين وسائل الزجر للظالم منهما ، كقطع النفقة عن المرأة مّدة حتّى يصلح حالها ، وأنّه ليس للحكمين التطليق إلاّ برضا الزوجين ، فيصيران وكيلين ، وبذلك قال أبو حنيفة ، وهو قولٌ للشافعي ، فيريد أنّهما بمنزلة الوكيل الذي يقيمه القاضي عَن الغائب . وهذا صرف للفظ الحكمين عن ظاهره ، فهو من التأويل . والباعث على تأويله عند أبي حنيفة : أنّ الأصل أنّ التطليق بيد الزوج ، فلو رأى الحكمان التطليق عليه وهو كاره كان ذلك مخالفة لدليل الأصل فاقتضى تأويل معنى الحكمين ، وهذا تأويل بعيد ؛ لأنّ التطليق لا يَطَّرِد كونه بيد الزوج ؛ فإنّ القاضي يطلّق عند وجود سبب يقتضيه .
وقوله تعالى : { إن يريدا إصلاحاً } الظاهر أنّه عائد إلى الحكمين لأنّهما المسوق لهما الكلام ، واقتصر على إرادة الإصلاح لأنّها التي يجب أن تكون المقصد لولاة الأمور والحكمين ، فواجبُ الحكمين أن ينظرا في أمر الزوجين نظراً منبعثاً عن نية الإصلاح ، فإن تيسّر الإصلاح فذلك وإلاّ صارا إلى التفريق ، وقد وعدهما الله بأن يوفّق بينهما إذا نويا الإصلاح ، ومعنى التوفيق بينهما إرشادهما إلى مصادفة الحقّ والواقعِ ، فإنّ الاتّفاق أطمَن لهما في حكمهما بخلاف الاختلاف ، وليس في الآية ما يدلّ على أنّ الله قصر الحَكَمين على إرادة الإصلاح حتّى يكون سنداً لتأويل أبي حنيفة أنّ الحكمين رسولان للإصلاح لا للتفريق ، لأنّ الله تعالى ما زاد على أن أخبر بأنّ نية الإصلاح تكون سبباً في التوفيق بينهما في حكمهما ، ولو فهم أحد غير هذا المعنى لكان متطوّحا عن مفاد التركيب .
وقيل : الضمير عائد على الزوجين ، وهذا تأويل مَن قالوا : إنّ الحكمين يبعثهما الزوجان وكيلين عنهما ، أي إن يُرد الزوجان من بعث الحكمين إصلاح أمرهما يوفّق الله بينهما ، بمعنى تيسير عَوْد معاشرتهما إلى أحسن حالها . وليس فيها على هذا التأويل أيضاً حجّة على قصر الحكمين على السعي في الجمع بين الزوجين دون التفريق : لأنّ الشرط لم يدلّ إلاّ على أنّ إرادة الزوجين الإصلاح تحقّقه ، وإرادتهما الشقاق والشغب تزيدهما ، وأين هذا من تعيين خطّة الحكمين في نظر الشرع .
وهذه الآية أصل في جواز التحكيم في سائر الحقوق ، ومسألة التحكيم مذكورة في الفقه .