تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

الآية 35 وقوله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهلها } الآية . كانت{[5509]} هذه المخاطبة والله أعلم لغير{[5510]} الزواج لأنه قال : { وإن خفتم شقاق بينهما } ولو كانت المخاطبة في ذلك للأزواج{[5511]} لقال{[5512]} : فإن خافا شقاق بينهما ( أو إن ) {[5513]} خفتم شقاق بينكم . وقوله تعالى : { والتي تخافون نشوزهن فعظوهن } الآية ( النساء 34 ) خاطب بذلك الأزواج لأنه قال : { واهجروهن في المضاجع } وذلك على الزوج أي للزوج إذا خاف نشوز امرأته أن يعظها أولا فإن قبلت وإلا فبعد ذلك يهجرها{[5514]} ثم يضربها إن لم تقبل ذلك كله فبعد ذلك يرفع{[5515]} الأمر غلى الحاكم ( أو الأمام الذي يوجه ) {[5516]} الحكمين وروي نحو ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أنه قال : يبعث الحكمين ) {[5517]} حكما من أهله وحكما من أهلها ( فيقول حكم أهلها ) {[5518]} يا فلان ما تنقم من زوجك ؟ ( فيجيب ) {[5519]} أنقم منها كذا وكذا يقول أرأيت أن{[5520]} ترغب عما تكره إلى ما تحل ؟ هل أنت تتقي الله ، وتعاشرها بالحق عليك من جمع الله بينهما بالحكمين بما{[5521]} يجمع الله ( وبما يفرقهما ) {[5522]} .

ثم اختلف في الحكمين هل يفرقان بينهما ؟ قال بعضهم : يفرقان بينهما عن شاء الله وغن جمعهما وروي عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ) {[5523]} قال : ( بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا : إن رأيتما ان تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ) .

وأما عندنا فإنهما لا يفرقان إلا برضا الزوجين : ام روي أن رجلا وامرأته أتيا ( عليا ){[5524]} رضي الله عنه مع كل واحد منهما قيام من الناس ، فقال علي رضي الله عنه : ما شأن هذين ؟ قالوا بينهما شقاق قال علي رضي الله عنه : ابعثوا { حكما من أهلها إن يريد إصلاحا يوفق الله بينهما } ( ثم قال ){[5525]} هل تدريان ما عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما . قالت المرأة : رضيت بكتاب الله قال الرجل : أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه : كذبت والله لا تنفلت مني حتى تقر كما أقرت . اخبر علي أن فرقة الحكمين إنما تجب برضا الزوجين لم ينظر إلى سخط الزوج في الفرقة ولقال علي رضي الله عنه للحكمين : فرقا إن رأيتما ذلك : كره الزوج ، أو رضي .

وفي قوله أيضا : { وإن خفتم شقاق بينهما } أي علمتم إذ حق أن يجتهد في الحال بينهما ، فيعلم على الغالب وللغالب حق العلم في الأعمال وحق الريب في الشهادة فذكر باسم الخوف على ما فيه من علم العمل ، على أن في ظاهر الآية التفرق في المنزل حتى يبعث عن كل واحد ( منهما ولو كنا في منزل واحد ){[5526]} فحقه أن يجمع بين الحكمين لا أن ( يبعث ما ) {[5527]} يدل على ظهور الخلاف والشقاق والله أعلم .

قال وأمر : / 94- أ/ الحكمين بالإصلاح بين الزوجين وهو الأمر الذي أمر بين جميع المؤمنين من قوله : { وأصلحوا ذات بينكم } ( الأنفال 1 ) و قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم } ( البقرة 224 ) وقوله : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف او إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما } ( النساء 114 ) وذلك حق التأليف وما به من تمام الأخوة بقوله : { فأصلحوا بين أخويكم } ( الحجرات 10 ) بما يضر به أهله ، ويوجب التفريق بينهم والتباغض . وعلى ذلك أمر الحكمين في النكاح والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بي نهما } وعن ابن عباس رضي الله عنه : { إن يريدا إصلاحا يوفق بينهما } هما الحكمان وعن مجاهد مثله وقال آخرون : قوله : { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } هما الزوجان .

وفي الآية دليل على أنه ليس للحكمين أن يفرقا لأن الله تعالى قال : { إن يريدا إصلاحا } وليس فيها دليل ان فرقتهما جائزة بشيء وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جانح عليهما فيما افتدت به } ( البقرة 229 ) يدل على ان الخلع إليهما دون الحكمين وكان الحكمين يوجهان ليعرف من الظالم من الزوجين ؟ يستظهر بهما على الظالم لأن كل واحد منهما ذو{[5528]} شكاية بين الناس من صاحبه ، لا يعرف الظالم منهما من غير ظالم . فإن كان الزوج هو الظالم أخذ على يده وقيل ( له ) {[5529]} : لا يحل لك ان تفعل هذا لتخلع منك ، وأمر ان ينفق عليهما . وإن كانت هي الظالمة وكانت في غير منزله ناشزة لم يؤمر بالإنفاق عليها وقيل له : قد حلت{[5530]} الفدية وكان في أخذاه معذورا بما ظهر للحكمين من نشوز المرأة ، والله الموفق .

وفي قوله أيضا : { إن يريدا إصلاحا } لا يخلو من أمرين : غما يريد به الزوجين وإما{[5531]}تطيعوا ان تعدلوا } الآية ( النساء 128 و129 ) ثم قوله عز وجل : { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } الآية ( النساء 130 ) .

فعلى ما ظهر منه النشوز صرف أمر التفرق إلى الزوجين وكذلك قوله تعالى : { ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن } إلى قوله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ( البقرة 229 ) فأشركهما في الابتداء الذي به الفراق ، ويريد به الحكمين فيكون ذلك على الترغيب في طلب الإصلاح بينهما وعلى إيثار العدل والصواب كقوله تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } ( النساء 57 ) وقوله تعالى : { كونوا قومين بالقسط } الآية ( النساء 135 ) .

( وقوله تعالى ){[5532]} { إن يريد إصلاحا يوفق الله بينهما } له وجهان :

( أحدهما : التوفيق ) {[5533]} : بين الزوجين ببركة قيام الحكمين لله وابتغائهما الصلاح بينهما ، فيوفق الزوجين لما له النكاح من السكن والرحمة والمودة والعفة .

والثاني{[5534]} : { يوفق الله بينهما } بين الحكمين في إصابة ما أراد من الإصلاح .

ثم العلم بإرادتهما الأصلح لا يعلمه غلا الله . فلا يحتمل أن يوجب لهما في الحكم التفريق . والذي جوابه وعد التوفيق لم يبين فلذلك لم يكن لهما لاحق التفريق ، غنما إليهما إعلام ما اتفقا عليه ، ثم هما عملا لهما ، فيكون لها الرضا بما رأيا وغير الرضا .

وأصلحه وجهان : أحدهما : أنهما استوجبا القيام بالتولية والرضا من الزوجين وبمن يخاف الشقاق بينهما فإن قاما ببعث الناس فقاما ببعث من لا يملك الفراق يستوجبان بهم ذلك أو إن قاما الزوجين فرضيا وهما في ذلك لم يكن لهما غير الذي كان فيه الرضا عليهما ، والله أعلم .

والثاني : أنهما بعثنا للعلم بالسبب الذي حملها على الشقاق ولعل السبب منهما ، فلا يحتمل أن يلزماه{[5535]} الطلاق بلا ذنب منه فتكمن كل امرأة تريد مفارقة الزوج وإغرامه المهر . وإذا لم يحتمل أم يكون لهما حق التفريق بهذا البعث مع ما بعثا لدفع الشقاق الهائج بينهما والرد إلى الإصلاح الذي له النكاح على انه يمكن الأخذ على يدي الظالم منهما والقهر على العود إلى ما فيه الصلاح بالتأديب لم يجز أن يلزما الفراق وإن كرهاه والله أعلم .

ثم الأصل أنهما بالغان لا يلزمان النكاح إذ كرها ورأى{[5536]} القوم الصلاح على التناكح على احتمال وجود الولايات . في النكاح كانا أن يلزما{[5537]} الطالق إذا كرها على امتناعه عن وجوب الولايات لغير الزوجين أحرى والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الله كان عليما خبيرا } من الظلم منهما ؟ ومن المظلوم ؟ وقيل : { عليما خبيرا } بنصيحتهما لهما { عليما } بما أشارت{[5538]} المرأة إلى حكمها والزوج إلى حكمه { خبيرا } بما اطلع كل واحد من الحكمين من صاحبه على ما أفتى به إليه ، أصدقه ؟ أم لم يصدقه ، والله أعلم وفي حرف انب مسعود فاتوا حكمة من أهله وحكمة من أهلها .


[5509]:في الأصل و م: كان.
[5510]:من م في الأصل: بغير.
[5511]:في الأصل و م: الازواج.
[5512]:من م في الأصل: تقال.
[5513]:من م في الأصل و م: فإن.
[5514]:في الأصل و م: هجرها.
[5515]:في الأصل و م: رفع.
[5516]:في الأصل و م: الأمام يوجه.
[5517]:في الأصل: يبعث الحكمان في م: قال: يبعث الحكمان.
[5518]:ساقطة من الأصل و م.
[5519]:ساقطة من الأصل و م.
[5520]:ساقطة من الأصل و م.
[5521]:في الأصل و م: بهما.
[5522]:في الأصل و م: بهما يفقران.
[5523]:ساقطة من الأصل و م.
[5524]:ساقطة من الأصل و م.
[5525]:في الأصل و م: فقال علي رضي الله عنه.
[5526]:من م ساقطة من الأصل.
[5527]:في الأصل و م: يبعثا.
[5528]:في الأصل و م: ذا.
[5529]:ساقطة من الأصل و م.
[5530]:في الأصل و م: خلت.
[5531]:في الأصل و م: أو.
[5532]:ساقطة من الأصل و م.
[5533]:في الأصل و م: أي
[5534]:في الأصل و م: ويحتمل.
[5535]:في الأصل و م: يلزمانه.
[5536]:في الأصل و م: وراء.
[5537]:في الأصل و م: يلزمان.
[5538]:في الأصل و م: أشرت.