فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

{ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ( 35 ) }

{ وإن خفتم شقاق بينهما } قد تقدم معنى الشقاق في البقرة وأصله أن كل واحد منهما يأخذ شقا غير شق صاحبه أي ناحية غير ناحيته ، وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى { بل مكر الليل والنهار } وقولهم يا سارق الليلة أهل الدار ، والضمير في بينهما للزوجين لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما وهو ذكر الرجال والنساء .

{ فابعثوا } إلى الزوجين برضاهما ، قيل المخاطب بذلك الإمام أو نائبه لأن تنفيذ الأحكام الشرعية إليه . وقيل كل أحد من صالحي الأمة وقيل هو خطاب للزوجين { حكما } رجلا عدلا { من أهله } أقاربه { وحكما من أهلها } أي من يصلح للحكم بينهما ، من يصلح لذلك عقلا ودينا وإنصافا ، وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقدر بمعرفة أحوالهما ، فإذ لم يوجد الحكمان منهم كانا من غيرهم .

وهذا إذا أشكل أمرهما ، ولم يتبين من هو المسيء منهما فأما إذا عرف المسيء فإنه يأخذ لصاحبه الحق منه ، والبعث واجب وكون الحكمين من أهلهما مندوب .

{ إن يريدا إصلاحا } أي الحكمان وقيل الزوجان والأول أولى ، أي على الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما ، فإن قدرا على ذلك عملا عليه ، وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين ، وبه قال مالك والأوزاعي وإسحق ، وهو مروي عن عثمان وعلي وابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي ، وحكاه ابن كثير عن الجمهور قالوا لأن الله تعالى قال { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } وهذا نص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان{[469]} .

وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحكم وهو أحد قولي الشافعي : إن التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما ما لم يوكلهما الزوجان ، أو يأمرهما الإمام الحاكم ، لأنهما رسولان شاهدان ، فليس إليهما التفريق ، ويرشد إلى هذا قوله إن يريدا أي الحكمان إصلاحا يوفق الله بينهما لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق .

ومعنى إن يريدا إصلاحا { يوفق الله بينهما } أي يوقع الألفة والموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن المعاشرة ، ومعنى الإرادة خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين .

وقيل إن الضمير في قوله بينهما للحكمين كما في قوله { إن يريدا إصلاحا } أي يوفق بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما ، وقيل كلا الضميرين للزوجين أي إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله به بينهما الألفة والوفاق .

وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما ولا يلزم قبول قولهما بلا خلاف ، وعن ابن عباس قال : بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، والذي بعثهما عثمان .

{ إن الله كان عليما خبيرا } يعلم كيف يوفق بين المختلفين ويجمع بين المتفرقين ، وفيه وعيد شديد للزوجين والحكمين إن سلكوا غير طريق الحق .


[469]:ابن كثير1/493.