غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

31

ثم بيّن أنه ليس بعد الضرب إلا المحاكمة فقال : { وإن خفتم } قال ابن عباس : أي علمتم وذلك لإصرارها على النشوز حيث لم يؤثر فيها الوعظ والهجران والضرب . واعترض عليه الزجاج بأنه إذا علم الشقاق قطعاً فلا حاجة إلى الحكمين . وأجيب بأن الشقاق معلوم إلاّ أنا لا نعلم أن سبب الشقاق منه أو منها ، فالحاجة إلى الحكمين لهذا المعنى . أو نقول : المراد إزالة الشقاق في الاستقبال ، ومعنى { شقاق بينهما } شقاقاً بينهما ، فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع وهو إجراء الظرف مجرى المفعول به ، أو على جعل البين مشاقاً مثل " نهاره صائم " والضمير للزوجين يدل عليهما مساق الكلام ، أو ذكر الرجال والنساء { فابعثوا حكماً من أهله } رجلاً مقنعاً رضاً يصلح لحكومة الإصلاح بينهما ويهتدي إلى المقصود من البعث .

ولا بد فيه من العقل والبلوغ والحرية والإسلام ، ويستحب أن يكون الحكمان من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن أحوالهما وتسكن إليهما نفوس الزوجين ، فيبرزان لهما ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة ، وموجبات كل من الأمرين . وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة فيعرفان ما عندهما وما فيه رغبتهما ، وإذا اجتمعا لم يخف أحدهما عن الآخر ما علم . ثم المبعوثان وكيلان من جهة الزوجين أو موليان من جهة الحكام المخاطبين بقوله : { فابعثوا } فيه للشافعي قولاه :- أصحهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد - أنهما وكيلان لأن البضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان . والخطاب في قوله : { فإن خفتم } وفي { فابعثوا } لصالحي الأمة لأنه يجري مجرى دفع الضرر ، فلكل أحد أن يقوم به . وثانيهما - وبه قال مالك - أنهما موليان لأنه تعالى سماهما الحكمين . ولما روي أن علياً عليه السلام بعث حكمين من زوجين فقال : أتدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا وإن رأيتما أن تفرّقا ففرقا . وعلى الأول يوكل الرجل الذي هو من أهله بالطلاق وبقبول العوض في الخلع ، والمرأة الآخر ببذل العوض وقبول الطلاق ، ولا يجوز بعثهما إلا برضاهما فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شيء أدب القاضي الظالم واستوفى حق المظلوم . وعلى الثاني لا يشترط رضا الزوجين في بعث الحكمين . { إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما } فيه أربعة أوجه : الأول : إن يرد الحكمان خيراً يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير . الثاني : إن يرد الزوجان إصلاحاً أبدل الله الزوجين بالشقاق وفاقاً . الثالث : إن يرد الحكمان إصلاحاً يؤلف الله بين الزوجين . الرابع : إن يرد الزوجان خيراً يوفق الله بين الحكمين حتى تتفق كلمتاهما ويحصل الغرض ، والتوفيق جعل الأسباب موافقة للغرض ولا يستعمل إلا في الخير والطاعة . وفيه أنه لا يتم شيء من الأغراض إلاّ بتوفيق الله تعالى وتيسيره { إنّ الله كان عليماً خبيراً } فيوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين بمقتضى علمه وإرادته . وفيه وعيد للزوجين والحكمين في سلوك ما يخالف طريق الحق ووعد على الجد في حسم مادة الخصومة والخشونة .

/خ40