ثم بيّن أنه ليس بعد الضرب إلا المحاكمة فقال : { وإن خفتم } قال ابن عباس : أي علمتم وذلك لإصرارها على النشوز حيث لم يؤثر فيها الوعظ والهجران والضرب . واعترض عليه الزجاج بأنه إذا علم الشقاق قطعاً فلا حاجة إلى الحكمين . وأجيب بأن الشقاق معلوم إلاّ أنا لا نعلم أن سبب الشقاق منه أو منها ، فالحاجة إلى الحكمين لهذا المعنى . أو نقول : المراد إزالة الشقاق في الاستقبال ، ومعنى { شقاق بينهما } شقاقاً بينهما ، فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع وهو إجراء الظرف مجرى المفعول به ، أو على جعل البين مشاقاً مثل " نهاره صائم " والضمير للزوجين يدل عليهما مساق الكلام ، أو ذكر الرجال والنساء { فابعثوا حكماً من أهله } رجلاً مقنعاً رضاً يصلح لحكومة الإصلاح بينهما ويهتدي إلى المقصود من البعث .
ولا بد فيه من العقل والبلوغ والحرية والإسلام ، ويستحب أن يكون الحكمان من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن أحوالهما وتسكن إليهما نفوس الزوجين ، فيبرزان لهما ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة ، وموجبات كل من الأمرين . وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة فيعرفان ما عندهما وما فيه رغبتهما ، وإذا اجتمعا لم يخف أحدهما عن الآخر ما علم . ثم المبعوثان وكيلان من جهة الزوجين أو موليان من جهة الحكام المخاطبين بقوله : { فابعثوا } فيه للشافعي قولاه :- أصحهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد - أنهما وكيلان لأن البضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان . والخطاب في قوله : { فإن خفتم } وفي { فابعثوا } لصالحي الأمة لأنه يجري مجرى دفع الضرر ، فلكل أحد أن يقوم به . وثانيهما - وبه قال مالك - أنهما موليان لأنه تعالى سماهما الحكمين . ولما روي أن علياً عليه السلام بعث حكمين من زوجين فقال : أتدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا وإن رأيتما أن تفرّقا ففرقا . وعلى الأول يوكل الرجل الذي هو من أهله بالطلاق وبقبول العوض في الخلع ، والمرأة الآخر ببذل العوض وقبول الطلاق ، ولا يجوز بعثهما إلا برضاهما فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شيء أدب القاضي الظالم واستوفى حق المظلوم . وعلى الثاني لا يشترط رضا الزوجين في بعث الحكمين . { إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما } فيه أربعة أوجه : الأول : إن يرد الحكمان خيراً يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير . الثاني : إن يرد الزوجان إصلاحاً أبدل الله الزوجين بالشقاق وفاقاً . الثالث : إن يرد الحكمان إصلاحاً يؤلف الله بين الزوجين . الرابع : إن يرد الزوجان خيراً يوفق الله بين الحكمين حتى تتفق كلمتاهما ويحصل الغرض ، والتوفيق جعل الأسباب موافقة للغرض ولا يستعمل إلا في الخير والطاعة . وفيه أنه لا يتم شيء من الأغراض إلاّ بتوفيق الله تعالى وتيسيره { إنّ الله كان عليماً خبيراً } فيوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين بمقتضى علمه وإرادته . وفيه وعيد للزوجين والحكمين في سلوك ما يخالف طريق الحق ووعد على الجد في حسم مادة الخصومة والخشونة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.