الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

قوله ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ) الآية [ 35 ] .

خفتم عند أبي عبيدة بمعنى( {[12359]} ) أيقنتم ، ورد ذلك الزجاج ، وقال : لو أيقنا لم نحتج إلى الحكمين( {[12360]} ) ، وخفتم على بابه . والمعنى : وإن خفتم أيها الناس مشاقة أحد الزوجين لصاحبه ، وهو إتيان كل واحد منهما ما يشق على الآخر فالمرأة تقصر عن أداء حقه ، والزوج أن يمسك( {[12361]} ) بغير معروف ( فَابْعَثُوا حَكَماً ) هذا مخاطبة للسلطان الذي يرفع إليه أمرهما( {[12362]} ) قال( {[12363]} ) : وإذا نشزت المرأة يعظها ، فإن انتهت وإلا هجرها ، فإن انتهت وإلا ضربها فإن انتهت( {[12364]} ) وإلا رفع أمرها إلى السلطان ، فيبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها فيقول الحكم الذي من أهلها : يفعل بها كذا وكذا( {[12365]} ) ، ويشتكي بما تشتكي منه ، ويقول الحكم الذي من أهله : تفعل به كذا ، فيشتكي أيضاً بما يشتكي الزوج منه ، فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ عليه .

وقال السدي : " المرأة تبعث حكماً من أهلها ، والرجل نفسه يبعث حكماً من أهله بتوكيل كل واحد منهما ، لكنها( {[12366]} ) بالنظر لهما ، فيعملان ما وكل به( {[12367]} ) ، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه( {[12368]} ) .

وروي عنه أنه قال لحكمين وَجَّه بهما : إن رأيتما أن تجمعا( {[12369]} ) جمعتما( {[12370]} ) ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما .

وقال ابن عباس : ( بعثت أنا ومعاوية حكمين ، فقيل لنا : إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما )( {[12371]} ) فإن عثمان قد بعثهما( {[12372]} ) .

قال مالك : أحسن ما سمعت من أهل العلم أن الحكمين يجوز قولهما بين الرجل والمرأة في الفرقة والاجتماع( {[12373]} ) .

وقال قتادة : يبعث السلطان الحكمين ليعرفا الظالم من المظلوم ، فيحملاهما على الواجب فلا يفرقان بينهما( {[12374]} ) .

وقال الشافعي : لا يفرقان إلا بأمر الزوج( {[12375]} ) .

وقال جماعة : حكم الحكمين ماض في التفرقة وغيره ، وإنما يأتي الحكمان فيخلوا حَكَم الرجل به ويسأله عما يشتكي . ويخلو حَكَم المرأة بها ، ويسألها عما تشتكي ؟ ثم يجتمعان ، فيجتهدان ، فإن رأيا التفريق فرقا ، وإن رأيا الترك تركا ، وأصلحا( {[12376]} ) .

وقيل( {[12377]} ) : إنهما ينظران الظالم منهما ، فإن كانت المرأة وعظها ، وجبرها على طاعة زوجها ، وإن كان الرجل وعظاه وجبراه أن يتقي الله تعالى فيها ، فيمسك بمعروف أو يسرح بإحسان ، والحكم هنا الناظر بالعدل ، قاله الضحاك وغيره( {[12378]} ) .

وقيل : هما القاضيان بينهما يقضيان بما فوض( {[12379]} ) إليهما الزوجان .

وقوله : ( إِنْ يُّرِيدَا ) قيل : الضمير للحكمين إن يريدا أن يصلحا بين الرجل والمرأة ( يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) أي " بين الرجل والمرأة ، قاله ابن عباس وابن جبير( {[12380]} ) ومجاهد( {[12381]} ) .

وقيل الضمير للزوجين لأنه لا يقال حكم إلا لمن يريد الإصلاح فغير جائز أن يقال : إن يرد( {[12382]} ) الحكمان إصلاحاً وهما لا يسميان بهذا الاسم إلا وهما يريدان الإصلاح ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً ) بما يريد الزوجان أو الحكمان من إصلاح خبيراً بذلك .


[12359]:- (د): بمعنى أنتم والمعنى أيقنتم ولعله من فعل الناسخ.
[12360]:- انظر: معاني الزجاج 2/48.
[12361]:- (ج): اسمسك وفي العبارة نظر.
[12362]:- كذا.. في (أ) وفي (ج) (د) بياض بعد قال.
[12363]:- هو سعيد بن جبير كما في جامع البيان 5/71.
[12364]:- زيادة يقتضيها السياق، وبها جاءت رواية الطبري انظر: المصدر السابق.
[12365]:- (د): بياض بين كذا ويشتكي.
[12366]:- كذا... وفي العبارة نظر.
[12367]:- انظر: جامع البيان 5/70.
[12368]:- انظر: المصدر السابق.
[12369]:- (ج): أن يجمعا وهو تحريف.
[12370]:- (ا) (ج): فاجمعا.
[12371]:- ساقط من (ج).
[12372]:- في قوله ابن عباس حذف تكشف عنه رواية الطبري 5/74.
[12373]:- انظر: الموطأ 478.
[12374]:- انظر: جامع البيان 5/72.
[12375]:- الأم 5/208.
[12376]:- انظر: جامع البيان 5/72.
[12377]:- يعزى إلى الضحاك انظر: المصدر السابق.
[12378]:- انظر: المصدر السابق.
[12379]:- (أ): فرق (د): فرض.
[12380]:- انظر: جامع البيان 5/76-77.
[12381]:- انظر: تفسير مجاهد 1/156.
[12382]:- (ج): يريد.